تقول حكمة قديمة حفظناها منذ صغرنا وعلّمونا إيّاها في المدارس «من زرع حصد»!
ولكن كم يخون الواقع حكم الرؤوس ويجافيها، وكم تخون الحكومات ما تعلّم شعوبها وكم يخون الناس الحِكَمَ التي يرددونها ويجعلها البعض منهم شعارا لهم في حياتهم ونبراسا هاديا في ظلماتها وحين تدلهمّ دياجيرها، ولكنّ أفعالهم تخالفها وتنقضها وكأنمّا هم وضعوها للإيهام والتمويه، ليس إلا!
قد يكون هناك – فعلا – من زرع وحصد نتاج ما زرع، ولكنّ الأكثر من الناس هم الذين زرعوا ولم يحصدوا مما زرعوا حتى قشّة واحدة، وآخرون في الحياة ما زرعوا ولا بذروا ولا غرسوا حتى فسيلة واحدة، ومع هذا حصدوا حصاد حقول غنيّة الزرع وفيرة الإنتاج يانعة الثمرات.
أكثر الذين حصدوا ما زرعوا هم النصابون والمحتالون والمنافقون والدجّالون، والذين يتكاثرون في زمننا ويظهرون للناس بهيئة الطهر والوقار والنصح والتقى، ويمارسون علينا أدوار الناصحين والهادين والمرشدين إلى طريق الصلاح والتقوى والخير، بينما هم شياطين مقرّنة وأباليس ملساء الملمس يجيدون التخفي وخداع الأبصار وتزيين الباطل وتشويه الحق الذي ما مشوا قطّ على جادته ولا عرفوا له طريقا.
عدّتهم في ذلك ألسنة تهذي بالباطل وتدّعيه حقا، وتهذر بلغوٍ ممجوج وباطل منبوذ مكروه.
هؤلاء حصدوا وجنوا وباعوا واسترزقوا وأثروا وشيّدوا القصور والعمارات والأبراج، دون أن يزرعوا أو يلقوا في الأرض حبة واحدة، ولم تطأ أرجلهم أرضا خصبة.
تُفتح لهم أبواب علية القوم وتنحني لهم الرؤوس في الدخول والخروج، يغدون إليهم خماصا ويروحون بطانا، ويتبارك السذّج والهبل والمساكين والجهلاء وأبناء السبيل بإطلالاتهم ويتسابقون للثم أيديهم لمزيد من البركة.
هؤلاء هم الذين حصدوا دون أن يزرعوا بل إنهم حصدوا زرع الغير ورشفوا عرق الكادحين والزارعين في الأرض خيرا، والذين – حصد زرعهم – أولئك الدجالون ورثة إبليس في الأرض، المنافقون المحتالون النصابون.
لا أظن عند أهل الغرب تلك الحكمة الكاذبة أو أنهم يعرفونها أو أنها طرقت مسامعهم قط، ولكنهم هم الذين يحصد واحدهم ما يزرع، لا نحن أصحاب تلك الحكمة الكاذبة ومبتدعوها.
katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء
قم بكتابة اول تعليق