عبداللطيف الدعيج: نقلوها الأرياف

وزير الصحة لو ساكت لكان أفضل له بكثير. ولو كان الأمر إدارياً صرفاً لدافع عن نقل الدكتورة «كفاية» من اتخذ القرار الإداري. أي لجنة من لجان الوزارة أو وكيلها أو أحد مديريها. عِلمُ الوزير به ودفاعه عنه يعني بلا شك أنه قرار «سياسي»، وأنه شخصياً، كما أعلن المتضررون، من اتخذه بتقصد ونية واضحة.

في الأفلام المصرية القديمة، إذا أراد المعنيون في الوزارة أو الحكومة معاقبة أحد معارضيهم، فإنهم ينقلونه إلى «الأرياف». النقل إلى الأرياف يعتبر عقاباً ليس فقط لأن العيش فيها صعب، بل بالدرجة الأساسية لأن مجال العمل محدود وضيق. وفرصة لقاء أو التعاطي فيها مع ذوي الشأن ومن هم في القمة معدومة. فهؤلاء في العاصمة وفي المراكز الأساسية فيها. وبالتالي، فإن الترقية، سواء بفعل الخبرة العملية أو بفعل العلاقات الاجتماعية، جميعها تصبح معدومة، ويتم قبر الشخص المعاقب في «الأرياف»، حيث لا ترقية ولا فرصة للتطور أو الارتقاء.

مستشفى الأمراض السارية ليس في «صعيد الكويت»، ولكنه يعتبر مستشفى ثانوياً وحتى بعيداً قياساً إلى المستشفى الأميري. وأن يكون الشخص مسؤولاً في المستشفى الأميري أفضل كثيراً من جهة العمل من أن يكون حتى مديراً لأي مستشفى آخر. لهذا، فإنه رغم عدم علاقتنا بوزارة الصحة، وعدم علاقتنا أصلاً بأي عمل إداري، فإن المنطق يقودنا إلى اعتبار النقل من المستشفى الأميري إلى المستشفى الصدري هو تنزيل وليس ترقية، ولا حتى قراراً حيادياً. وليس من المفروض أن يتم اتخاذه في حالة الدكتورة المعنية التي قضت سنين طويلة في المستشفى. واكتسبت بحكم عملها خبرة قد لا تتوافر لمن شغل المنصب ذاته في مستشفى أصغر.

بالعربي… قرار وزير الصحة يتحدث عن مقاصده ونواياه. ولا يمكن بأي حال اعتباره قراراً إدارياً محضاً. لهذا، فإننا نضم صوتنا إلى الأصوات المعارضة لنقل الدكتورة «كفاية». وفوق هذا ننبه إلى أن زوال دولة الرفاه الذي بشّر به رئيس الحكومة قد أخذ يفرض نفسه على القرارات السياسية والإدارية للدولة. فبعد أن كانت الحكومة «تكافئ» أو تمنح أو ترقي أو ترشو بسبب الوفرة، أصبحت الأن تعاقب وتغتصب الحقوق بسبب ضيق اليد… وهنا الخطورة.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.