ينظر الكويتيون بكثير من التقدير والاجلال الى يوم 11 نوفمبر من عام 1962 ففي مثل هذا اليوم قبل 51 عاما صادق امير البلاد الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح الحاكم ال11 لدولة الكويت على دستورها.
ويعتبر الدستور الوثيقة الكبرى الاولى والاساسية في حياة شعب الكويت التي تحدد نظام الدولة وتنظم العلاقة بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وأكد الشيخ عبدالله السالم رحمه الله في كلمته التي جاءت في مقدمة الدستور انه جاء “رغبة في استكمال اسباب الحكم الديمقراطي لوطننا العزيز وايمانا بدور هذا الوطن في ركب القومية العربية وخدمة السلام العالمي والحضارة الانسانية وسعيا نحو مستقبل افضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية ويفيء على المواطنين مزيدا كذلك من الحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية ويرسي دعائم ما جبلت عليه النفس العربية من اعتزاز بكرامة الفرد وحرص على صالح المجموع وشورى في الحكم مع الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره”.
وجاءت احكام الدستور في مجملها لترسيخ الاسس والثوابت التي سارت عليها الكويت منذ نشأتها من حيث الاعتماد على اسس الشورى في تصريف جميع الامور اليومية والمستجدات الطارئة عليهم.
وعندما انتخب الكويتيون المجلس التأسيسي في يناير عام 1962 ليتولى وضع دستور دولة الكويت وينظم السلطات والحريات شكل المجلس لجنة لاعداد مشروع الدستور تتألف من خمسة اعضاء مهمتها اعداد دستور ينظم كيان دولة الكويت وينظم السلطات والحريات على ان يتم عرضه على سمو أمير البلاد.
والقى الامير الراحل الشيخ عبدالله السالم في جلسة افتتاح المجلس التأسيسي كلمة قال فيها “باسم الله العلي القدير نفتتح اعمال المجلس التأسيسي الذي تقع على عاتقه مهمة وضع اساس الحكم في المستقبل”.
واضاف “اختتم كلمتي بالنصح لكم كوالد لأولاده ان تحافظوا على وحدة وجمع الكلمة حتى تؤدوا رسالتكم الجليلة في خدمة هذا الشعب على اكمل وجه واحسنه والله ولي التوفيق”.
وبعدها تم انتخاب المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم رئيسا للمجلس التأسيسي وانتخب الدكتور احمد الخطيب نائبا للرئيس.
واول مهمة قام بها المجلس التأسيسي تشكيل لجنة اعداد مشروع الدستور التي ضمت خمسة اعضاء هم المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم رئيس المجلس التأسيسي وسمو الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وكان في حينها وزيرا للداخلية ورئيس لجنة اعداد مشروع الدستور المرحوم حمود الزيد الخالد الذي كان وزيرا للعدل ويعقوب يوسف الحميضي عضو المجلس التأسيسي وأمين سر اللجنة والمرحوم سعود عبدالعزيز العبدالرزاق عضو المجلس التأسيسي.
وتولى سكرتارية اللجنة الامين العام للمجلس التأسيسي علي محمد الرضوان وشارك في اجتماعات اللجنة الخبير القانوني محسن عبدالحافظ الى جانب الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان.
واعتبرت مشاركة الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم رحمه الله في اللجنة مبادرة سياسية لأول مرة في تاريخ الكويت البرلماني سبقتها رئاسة الشيخ عبدالله السالم الصباح للمجلس التشريعي عام 1938.
وعقدت لجنة الدستور 23 جلسة كانت الاولى يوم السبت 17 مارس 1962 والاخيرة في 27 اكتوبر 1962 ثم احالة اللجنة مشروع الدستور بأكمله الى المجلس التأسيسي لمناقشته واقراره .
وبدأ المجلس التأسيسي النظر في مشروع الدستور في 12 أغسطس 1962 وفي جلسته المنعقدة بتاريخ 30 أكتوبر من العام نفسه تمت تلاوة مواد مشروع الدستور مادة مادة ثم اخذ التصويت على المشروع وذلك بالمناداة على الأعضاء فردا فردا وتمت الموافقة عليه بالاجماع من جميع اعضاء المجلس وأقر المجلس مشروع الدستور بالاجماع بجلسته المنعقدة في 3 نوفمبر 1962.
وقدم رئيس المجلس التأسيسي الدستور الجديد الى الامير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح بقصر السيف في الثامن من نوفمبر 1962 ثم القى كلمة قال فيها “انه لشرف كبير لزملائي اعضاء لجنة الدستور ولشخصي ان نتقدم الى سموكم في هذا اليوم التاريخي نيابة عن المجلس التأسيسي بمشروع الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على اساس المبادىء الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت “.
وصادق الامير الراحل الشيخ عبدالله السالم على الدستور بعد ثلاثة ايام من تاريخ رفعه اليه وتم اصداره وكان على الصورة التي اقرها المجلس وتم نشره في الجريدة الرسمية في اليوم التالي لصدوره.
وبعد مضي 72 يوما فقط على اقرار الدستور اجريت في 23 يناير 1963 اول انتخابات شاملة في الكويت لانتخاب اعضاء مجلس للامة وكان ذلك ايذانا رسميا ببدء العمل بالممارسة السياسية بموجب احكام الدستور الجديد كما كان المدخل الذي نفذت من خلاله حدود سلطات البلاد الرئيسية وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ويتألف دستور الكويت من 183 مادة موزعة على خمسة ابواب اولها عن الدولة ونظام الحكم والثاني عن المقومات الاساسية للمجتمع الكويتي والثالث عن الحقوق والواجبات العامة والرابع عن السلطات الذي اشتمل على خمسة فصول جاء الاول منها على شكل احكام عامة والثاني عن رئيس الدولة والثالث عن السلطة التشريعية والرابع عن السلطة التنفيذية والخامس عن السلطة القضائية اما الباب الخامس من الدستور فقد احتوى على نصوص الاحكام العامة والمؤقتة.
واوضحت المذكرة التفسيرية للدستور التي تعتبر بمنزلة العمود الفقري لمواد الدستور التصور العام لنظام الحكم في البلاد وفسرت كل المواد التي قد تخضع لأكثر من تفسير او اجتهاد.
وفي 10 فبراير من عام 1980 شكل الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح لجنة للنظر في تنقيح الدستور تكونت من 35 عضوا.
وعقدت لجنة تنقيح الدستور اول اجتماع لها في 19 فبراير 1980 وحضر الاجتماع الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح والقى خطابا في الجلسة مطالبا الاعضاء بالحفاظ على الدستور وصيانة مبادئه الاساسية ومشددا على المسؤولية الملقاة على عاتق اللجنة لخدمة شعب الكويت وتحقيق امنه ورخائه واستقراره.
وانهت لجنة تنقيح الدستور اعمالها يوم 22 يونيو 1980 بعد ان عقدت عدة اجتماعات استمرت 18 اسبوعا واطلعت خلالها على 13 تصورا من الحكومة وتصور واحد من الاعضاء.
وكان دستور الكويت في ايام الغزو العراقي لدولة الكويت في اغسطس 1990 بمنزلة المظلة التي عملت على توحيد صفوف الكويتيين في الداخل والخارج وعززت تمسكهم بشرعيتهم فأهل الكويت في الداخل صمدوا ورفضوا التعاون مع الغزاة فيما اجتمع الكويتيون في الخارج بجدة في اكتوبر 1990 واعلنوا تمسكهم بدستورهم.
وقال الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح في المؤتمر الشعبي بجدة ان “الكويتيين عاشوا منذ القدم في اجواء من الحرية والتزموا الشورى ومارسوا الديمقراطية في اطار دستورنا الذي ارتضيناه”.
من جهته قال عبدالعزيز الصقر رحمه الله في كلمته امام المؤتمر ان “استرشاد دستور الكويت بتجارب الدول الاخرى قد عزز هويته الكويتية الصادقة فجاء بمنزلة عباءة سياسية كويتية النسيج والنموذج”.
وبعد ان من الله على الكويت بنعمة التحرير وجه الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد كلمة للشعب الكويتي في العشر الأواخر من رمضان في السابع من ابريل 1991 قال فيها ان “الشورى والمشاركة الشعبية في امور البلاد كانت طبيعة الحياة في بلدنا ولها طرق عدة الا ان عودة الحياة النيابية هي ما اتفقنا عليه في المؤتمر الشعبي بجدة”.
واضاف الامير الراحل “ووفاء بهذا العهد فقد قررنا بعد ان تستقر الاوضاع وتبدأ مسيرة الحياة ويعود اهل الكويت الى اهلهم ان تجري الانتخابات النيابية خلال السنة المقبلة باذن الله تعالى حسب ما نص عليه دستورنا”.
ومنذ صدور الدستور قبل 51 عاما حتى اليوم تم انتخاب 14 فصلا تشريعيا وتم تشكيل 33 حكومة.
وجاء دستور الكويت نتيجة طبيعية لعدد من المطالبات والمشاورات التاريخية وهو جهد الرعيل الذي سبقنا وهو اتفاق الحاكم والمحكوم وهو علامة مشرفة في تاريخ البلاد يقدم للمواطن مزيدا من الحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية في ظل الرعاية الابوية السامية لسمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح وسمو ولي العهد الشيخ نواف الاحمد الجابر الصباح.
قم بكتابة اول تعليق