حسن كرم: جلسة مكاشفة وبرنامج زمني للإصلاح

الامر المؤكد ان غالبية الاستجوابات التي يقدمها النواب الى الوزراء تكمن خلفها اهداف سياسية لا اصلاحية.
والامر المؤكد ايضا انه لا يمكن في هذه الاجواء المركبة ان تتفرغ الحكومة للتنمية والاصلاح الاداري ومكافحة الفساد، كذلك لا يمكن ان نلوم الحكومة اذا ما فشلت في العملية الاصلاحية وتعطلت المسيرة التنموية.. في ظل الضغوط السياسية.
وفي المقابل لا يمكن ان يفرض على النواب بألا يمارسوا حقهم الدستوري بالمراقبة والمساءلة، اذا كان هناك ما يستوجب المساءلة، والا لكان الأكرم للنواب الجلوس في بيوتهم عن السكوت على الاخطاء والتجاوزات.
لعلي اجزم ان الدولة بحكومتها ووزرائها يعترفون ان هناك فسادا وان هناك تلكؤ في الاصلاح وان عجلة التنمية معطلة أو بطيئة ولكن في المقابل لا يمكن ان نعفي الحكومة من مسؤوليتها الكاملة عن كل ذلك، كما لا يمكن ان نضع اللوم أو المسؤولية على الطرف الآخر الذي هو مجلس الامة بذريعة تقديمه الاستجواب للوزراء، الامر الذي يتسبب بتعطيل عمل الحكومة.
مجلس الامة الحالي لا يختلف تكوينه وشخصيته عن مجالس الامة السابقة وعلى الاخص مجالس الامة في السنوات الاخيرة، فالنائب يحرص اكثر ما يحرص على تحقيق ثلاثة اشياء وهي تقديم استجوابات للوزراء وتقديم المطالب الشعبوية مثل زيادة الرواتب والمكافآت والعلاوات والتجنيس والترقيات.. الخ. واخيرا ضمان عدم فقدانه للكرسي في الدورات البرلمانية المقبلة.
ضعف الحكومات وعدم التطبيق السليم لنصوص الدستور كان وراء زحف مجلس الامة على اختصاصات الحكومة، فتدخل النواب في الشؤون الوظيفية وزيادة الرواتب والعلاوات والمكافآت والتجنيس مسائل اصيلة للحكومة، لكن للاسف تركت الحكومة الباب مفتوحا للنواب لدس انوفهم في مثل هذه الامور..!!
من هنا نستطيع القول ان هناك خللا بنويا وعدم فهم لاختصاص كل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، الامر الذي بعد هذه السنين من الممارسة الخاطئة قد تشكل منه اعرافا في العمل البرلماني وتاليا في المنهج السياسي..!!
مسلسل الاستجوابات الذي اخذ يهطل كالمطر المنهمر على رأس الحكومة نكذب اذا قلنا انه مفاجئ ولم يكن متوقعا، فالاستجواب بات جزءاً اصيلا من الثقافة البرلمانية لمجلس الامة، بل بات الشعب لا يقبل من المجلس شيئاً الا اذا مارس حقه الرقابي الكامل واوله الاستجواب وكان الاستجواب هو الباب السحري الذي يفضي الى الاصلاح في احسن الفروض أو يفضي لرضوخ الوزير المستجوب الى نزوات وابتزازات النائب المستجوب ومن يقف خلفه..!!
من هنا اعتقد ان العلاقة بين السلطتين لن تكون سمناً وعسلاً، ولن تشهد قاعة عبدالله السالم في الايام المقبلة التعاون المطلوب على صعيد الانجاز وتحقيق الاصلاح ودفع عجلة التنمية المتوقفة للعمل..!!
فما هو الحل..؟!
أو اين المخرج..؟!!
هل الحل تجميد مجلس الامة ولو لفترة زمنية محدودة وترك المجال للحكومة لكي تعمل بعيدا عن التدخلات الاستفزازية..؟!
أم الحل منح صلاحيات اكبر لمجلس الامة زيادة على ما يتمتع به من صلاحيات رقابية حالية..؟!!
ام ان هناك طريقا ثالثا وهو طريق المكاشفة والمصارحة؟ لعلي أؤمن ايمانا لا يخامره شك وهو انه لا يمكن ان يتحقق الاصلاح المنشود سواء على صعيد الجهاز الاداري للدولة أو على صعيد ضرب اوكار الفساد أو على صعيد التنمية في ظل حكومة عاجزة ووزراء يموتون هلعا ورعبا من كلمة الاستجواب، وكأن الاستجواب غول جاء ليقضي عليهم، لا انه اداة من ادوات المكاشفة والاصلاح يفترض بالوزير المستجوب يكون مرحبا ومستعدا في أي لحظة، ففي البرلمانات العريقة يجري كل يوم استجواب للوزراء ولا يموتون هناك خوفا ولا يفزعون رعبا، فلماذا عندنا طبل ومزمار ومولد وتضخيم اعلامي وشحن سياسي كلما قدم نائب استجوابا لوزير..؟!!
كذلك يخامرني شك ان يحقق مجلس الامة بتركيبته الحالية وبثقافته السياسية والبرلمانية الموروثة من المجالس الخائبة السابقة أي خطوة اصلاحية، أو السعي مع الحكومة في القضاء على الفساد وتحريك عجلة التنمية، فالاصلاح ودرء المفاسد يحتاجان الى مجتمع طوباوي ومجلس امة مثالي يتنزه اعضاؤه عن الفرضية والمنافع الشخصية، وهذا ما لم يكن على ارض الواقع..!!
وعلى الرغم من ذلك.. فلا ينبغي ان يتسرب اليأس الى القلوب، فلا بد ان نتمسك ببعض الامل، فإذا خليت خربت، فما اكثر الحالمين بالاصلاح وما اكثر المؤمنين بالمستقبل الافضل، من هنا اعتقد بات هناك امل واحد اذا صدقت النوايا من المجلسين وكمن الصدق في قلوب الاعضاء والوزراء، وهو بدلا من اهالة سلسلة الاستجوابات المبررة وغير المبررة على رؤوس الوزراء لماذا لا يتم تخصيص جلسة استثنائية بهدف المكاشفة والمصارحة وتحديد الاخطاء والخطايا وتحديد المسؤوليات ولعل المطلوب رسم خارطة طريق لعمل السلطتين ومنح الحكومة فرصة كافية (فترة زمنية) للعملية الاصلاحية وتبديد اوكار الفساد وبتعهد نيابي عدم التدخل والزحف على اختصاصات الحكومة سواء في شأن الترقيات والامور المالية والمناصب والواسطات غير القانونية.
ان الاصلاح ليس معضلة اذا صدقت النوايا، وان التعاون المثالي بين المجلسين ليس مستحيلا اذا توافرت اجواء التعاون وسادت الروح الايجابية.
دعونا نعلق الجرس ونكشف الحقيقة، وهو ان هناك من لا يريد للكويت ان تسترد عافيتها، وان هناك عابثين يعملون في الخفاء على تخريب الديموقراطية الكويتية، وانهم زرعوا في جسد المؤسسة الديموقراطية اعداء ومخربين، وانه لا اصلاح في البلاد، وهناك اعضاء في المجلس ووزراء في الحكومة عليهم شبهة الفساد وشبهة التواطؤ مع المخربين..!!
واخيرا.. نقول، ان كل العيون مصوبة على مجلس الامة الحالي، فإن استمر وأكمل دورته الدستورية استمرت الديموقراطية، وان تعثرت فقد تتعثر الديموقراطية ولربما الى الابد.

حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.