انتفاضة الاطباء بالذات ليست صدفة. بل هي عائدة بالدرجة الاولى الى استشراء الفساد والافساد الحقيقي في الجهاز الوظيفي للدولة، كما هي عائدة ايضا بالضرورة وليس بالصدفة الى الطبيعة المهنية والتقنية العالية للجسم الطبي. الاطباء فنيون.. وسبق ان بينا ان العاملين الفنيين هم من يعمل ويداوم بصدق في وزارات الدولة، فطبيعة عمل «الفنيين» تفرض عليهم الالتزام والاخلاص في العمل، وتحد من فرص التسيب او الاهمال امامهم، وهي الفرص التي تتوفر بل تهيمن على بقية موظفي الدولة، ممن يشكلون البطالة المقنعة وممن لا يشعر بحضورهم او غيابهم احد.
لذا فان اضطهاد او تعدي وزير على حقوق احد العاملين الاداريين في احدى مؤسسات الدولة لا يشكل، حتى لو كان اضطهادا، خارقا وفاضحا، لا يشكل لدى بقية الموظفين قضية أو مشكلة. فانتاج الموظف الاداري بالكاد يسجل. والجهاز الوظيفي يعج بالكثير من الاداريين، الذين اما لا يداومون او يداومون نصف دوام او لا يشعر بدوامهم او يتحسس نتاج دوامهم احد. لذا فان نقل احدهم على سبيل المثال لا يشكل قضية او خطرا او حتى ارباكا في العمل. لكن ان يتم نقل رئيسة قسم العناية المركزة في المستشفى الاميري، فان ذلك له صدى وتبعات تختلف كثيرا عن نقل رئيس قسم اداري، الذي هو في بعض وزارات الدولة قد يكون يعيش خارج الكويت، او يداوم في شركة اجنبية، كما بين وكيل وزارة الدولة لشؤون مجلس الامة مؤخرا.
ان انتفاضة السادة الاطباء انتفاضة حقيقية وانتصار وطني للجهد الحقيقي في العمل، الذي ظل غائبا لسنوات عن الجهاز الوظيفي للدولة. فالمكافآت والترقيات والمناصب العالية كانت دائما من نصيب الاداريين الذين يعملون اقل وتحت ظروف بيئية افضل من الفنيين، الذين يقضي بعضهم وقته في عمل متواصل وفي ظروف تكون في بعض الاحيان قاسية.
لهذا فان الاطباء وبقية الفنيين العاملين في وزارة الصحة مطالبون وطنيا بان يستمروا في صحوتهم المباركة، وان يلزموا الدولة وليس الحكومة او وزير الصحة فقط، يلزموها بتغيير نظرتها الدونية للموظفين وللفنيين منهم بشكل خاص، بل ان عناد الحكومة واستكبار وزير الصحة يفرضان على الاطباء التشدد والتصعيد الضروري والطبيعي لمطالبهم، فرد الوزير وسلوك الحكومة لا يبشران بالخير ولا يشيران الى ان مستقبل العاملين الحقيقيين في الغد سيكون افضل من الامس او اليوم.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق