صالح الشايجي: فقراء وأغنياء

قد تستقر في الذاكرة البشرية، أمور معينة على غير صورتها الحقيقية، وتصبح نوعا من المسلمات تتوارثها الأجيال، جيلا في إثر جيل، لتصبح مع التقادم وتعاقب الأزمنة والعصور، نوعا من التراث الإنساني الذي لايقبل له الإنسان تبديلا ولا تحويلا.
ومما ورد على ذهني في هذا الخصوص، هو قضية «الغنى والفقر» أو ربما هما قضيتان منفصلتان.

فلقد بُنيت العقيدة البشرية واستقر في الذهن البشري، أن الفقراء طيبون بسطاء بيض القلوب سليمو الطوية أنقياء صادقون مخلصون أوفياء وما إلى ذلك من صفات ومكارم أخلاق، وأن الأغنياء على عكسهم، جبارون متجبرون ظالمون مستبدون خبثاء مصاصو دماء وإلى آخره من تلك البشاعات التي تحط من قدر الإنسان وتسطر معايبه وتكثر من ذنوبه.

أما ما طاف في خاطري حول هذه القضية والنظرة الأزلية التي استقرت في البناء النفسي والذهني لدى الناس، فهو نقيض ذلك ولا يجاريه ولا يدانيه، فلست أرى الفقراء ملائكة ولا أرى الأغنياء شياطين.

لا هؤلاء مطهرون مغسولون بماء العفة، بيضاء قلوبهم سليمو الطوية حسنو النية، ولا أولئك قدت قلوبهم من صخر أسود فيبطشون ويظلمون ويمصون الدم البشري صبحا ويجرشون العظام ليلا.

وأنا أكتب من موقع المحايد، فلست من فريق الفقراء ولا من زمرة الأغنياء، وإنما أقع في الحالة الوسطى بين الفريقين، وذلك تنزيها لشهادتي وتخليصا لرأيي من شبهات ممالأة أو تزلف قد تعلق به.

في رأيي أن الشر منتشر في نفوس الفقراء أكثر مما هو في نفوس الأغنياء، وأن الجريمة من قتل وسرقة وخيانة مقرها حيث الفقر، ومنتشرة في محيط الفقراء أكثر مما هي موجودة في نفوس الأغنياء أو في محيطهم، وأنا -في هذا- لست في صدد لوم الفقراء ولكن للفقر قوله ولسانه وفعله التي ينتج عنها بروز عنصر الشر لدى الفقراء، وكذلك نرى أن الخير والعفة والكرم والعطف الإنساني موجودة في محيط الأغنياء، وما أكثر أفعال الخير الممتدة على طول الكرة الأرضية وعرضها، وكان وراءها أغنياء جادوا بأموالهم في سبيل تحسين حياة الآخرين من الفقراء.

قد لا يوافقني البعض على ما استنتجت، ولهم -ولي- الحق.
katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.