دبلوماسي بريطاني: الحلول الدبلوماسية هي الخيار الوحيد للنووى الإيرانى

أكد رئيس جمعية الامم المتحدة في بريطانيا ومندوب بريطانيا الأسبق في مجلس الأمن سير جيريمي غرينستوك هنا اليوم ان حل الملف النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية والسلمية يجب ان يبقى الخيار الوحيد في أيدي الدول الكبرى تجنبا لأية سيناريوهات يمكن ان تعصف بمستقبل الأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

وقال غرينستوك في لقاء خاص مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) ان طي الملف النووي الإيراني عن طريق المفاوضات وبعيدا عن لغة التهديد بالحرب والضربات العسكرية سيصب في مصلحة جميع الدول بما فيها تلك التي تنادي بمعاقبة ايران بوسائل عسكرية وعلى رأسها اسرائيل.

ودعا في هذا الصدد الى مضاعفة الجهود الدبلوماسية الدولية من اجل توسيع المفاوضات في المرحلة القادمة بين ايران وبعض الدول العربية وحتى بين ايران وإسرائيل ولو بطرق غير مباشرة.

وأضاف ان أمن الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط ككل تمثل قضية غاية في الأهمية ولا يمكن التلاعب بها تحت اي ظرف من الظروف.
وأعرب غرينستوك عن الأمل في ان تنجح المفاوضات مع ايران بشأن برنامجها النووي في التمهيد لأطر جديدة من المحادثات المستقبلية بين ايران وجيرانها العرب بشأن جميع الملفات والقضايا الخلافية المتعلقة بالأمن والسلم والعلاقات السياسية فضلا عن قضايا النزاعات الطائفية التي ازدادت حدة منذ حرب العراق.

وأكد ان القضايا والملفات المذكورة لا تقل اهمية عن الملف النووي وان كان الأخير اكثر الحاحا مضيفا ان الكثير من تلك القضايا لديها تأثيرات مباشرة على قضايا اخرى مثل سوريا وفلسطين.
وعن خلفية قرار عودة طهران الى طاولة المفاوضات الاخيرة رأى غرينستوك ان “العقوبات الدولية ضد ايران خصوصا بعد انتقالها من النظام المالي الى قطاع النفط وسوء إدارة اقتصاد البلاد من طرف الرئيس السابق محمود احمدي نجاد فضلا عن وصول حسن روحاني الى رئاسة البلاد كانت كلها عوامل أدت الى تغير ملامح السياسة الإيرانية وطرق تواصلها مع المجتمع الدولي”.

لكنه حذر من ان النوايا الحقيقية وحدود السياسة الإيرانية الجديدة لم تتضح بعد للحكم عليها بشكل نهائي.
ورأى ان المفاوضات الدولية الحالية تبقى مرهونة بمدى نجاح ايران وأمريكا على وجه التحديد في تجاوز خلافات الماضي علاوة على مدى تقبل القيادة الدينية وقادة الحرس الثوري الإيراني لأي تقارب محتمل او تغير راديكالي في سياسة حكومة روحاني.
واعتبر دعوة الرئيس الامريكي باراك أوباما لنواب الكونغرس بالتريث في فرض عقوبات جديدة على ايران بالمبادرة الإيجابية التي تعكس جدية المجتمع الدولي في إيجاد حل للملف النوري الإيراني.

وأكد ان جولة المفاوضات الجديدة مع ايران تمثل تطورا غاية في الأهمية خصوصا فيما يتعلق بإذابة الجليد بين علاقات واشنطن وطهران.
وحذر في هذا السياق من مغبة التلويح بفرض مزيد من العقوبات او تشديدها اكثر مبينا ان “الهدف من العقوبات الدولية هو استهداف الحكومة ورموز والنظام وليس معاقبة عامة الشعب الإيراني الذي لا يلام على قرارات سلطات بلاده”.
واضاف ان العقوبات يمكن ان يزول مفعولها مع مرور الوقت وطول المدة اذ يمكن للدول ايجاد طرق لتجاوزها بالتعاون مع دول اخرى لافتا الى اهمية تنفيذ العقوبات حسب الظروف والتطورات ووفق ما تمليه كل مرحلة.

وشدد غرينستوك في المقابل على اهمية مواصلة الحوار مهما كان حجم النتائج المحصلة كون ذلك سيسمح مع مرور الوقت بزيادة الثقة بين جميع الأطراف ومن ثم ازالة “التشوهات” والأحكام المسبقة التي تطبع علاقات ايران مع الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة لأسباب تاريخية معروفة.
وقال ان “العديد من الأطراف الفاعلة في الكونغرس الامريكي او في قيادة الحرس الثوري الإيراني وإسرائيل لا تجلس على طاولة المفاوضات القائمة لرؤية الحقائق عن طريق الأشخاص الذين يجلسون في الجهة المقابلة لكن الأهم في كل هذه المستجدات ان بعض الأشخاص قرروا الجلوس جنبا الى جنب لسماع وجهة نظر الطرف الاخر”.

وبين غرينستوك انه ظل يؤكد على مدى سنوات طويلة من عمله الدبلوماسي في اعلى المستويات ان “مشكلة ايران مع المجتمع الدولي لا تتعلق ببرنامجها النووي بقدر ما تتعلق بسعيها الذي يمكن ان يكون مشروعا في بعض الحالات للاستفادة من خبرتها النووية وتطوير قدراتها العسكرية غير النووية من اجل تعزيز موقعها في العالم وفي المنطقة وللدفاع عن نفسها ضد من تعتبرهم اعداء لها”.
وجدد التأكيد على ان “الحوار يظل الوسيلة الوحيدة لزيادة التفاهم والاتصالات بين ايران ودول الشرق الأوسط والعمل على تخليص المنطقة من فكرة ان دولة معينة تشكل تهديدا مستمرا لأمن شعب اخر او ان هذه الدولة تستحق ان تهاجم عسكريا”.

وذكر ان “الحرب كما بينته التجارب الماضية لا يمكن التنبؤ بنتائجها الكارثية وبخاصة في منطقة شديدة الحساسية والأهمية كالشرق الأوسط” مشيرا الى ان التباحث حول قضايا السلم والتعاون في شتى المجالات سيكون أفضل واسلم لشعوب المنطقة بأكملها.
وأعرب غرينستوك عن الأمل في ان تنجح جولة المفاوضات التي تعقد بعد يوم غد في جنيف في التأسيس لقاعدة حوار دائم وبناء مع ايران على أمل ان يؤدي ذلك الى طي هذا الملف الشائك والمعقد بشكل سلمي ونهائي.

وفي الشأن السوري شدد غرينستوك الذي عملا مندوبا لبلاده في مجلس الأمن لمدة خمسة أعوام على ضرورة عقد مؤتمر (جنيف 2) قبل نهاية العام الحالي حتى ولو غابت بعض الأطراف او لم يكن احداها مستعدا بعد لعقد اي اتفاق على طاولة المفاوضات.
وأوضح ان ذلك سيسمح للمجموعة الدولية والأمم المتحدة على وجه التحديد بتحقيق نوع من التقدم الذي يمكن ان يفتح نوافذ جديدة قد تساعد على بلورة أفكار وميكانيزمات اخرى لإيجاد حل للازمة السورية معتبرا ان عقد المؤتمر سيشكل في حد ذاته إنجازا قد ينهي حالة الانسداد في هذا الملف.
واعترف انه من الصعب في الوقت الحاضر إقناع نظام الأسد وقوات المعارضة بشكل قطعي بجدوى المحادثات في وقت ما يزال كل طرف منهما يعتقد بإمكانية تحقيق انتصارات على أرض المعركة.

وبين ان المفاوضات ستؤتي ثمارها عندما يقتنع الطرفان بوصول الأوضاع الى طريق مسدود وانه يمكن تحقيق تقدم بالمحادثات ودون شعور اي منهما بالهزيمة مقابل شعور الطرف الاخر بالانتصار.
ودافع غرينستوك بشدة عن حصيلة الامم المتحدة في تعاملها مع الملف السوري قائلا ان “الامم المتحدة لا تملك في ميثاقها اي أدوات لإجبار طرفي صراع داخلي على المشاركة في المفاوضات بالرغم من ان القضية السورية تنطوي على ابعاد دولية ولها تأثيرات أمنية خطيرة على دول الجوار”.

وأضاف ان “الامم المتحدة ما تزال تتعلم الكثير من التجارب التي ستعتمد عليها في حل نزاعات شبيهة بالقضية السورية في المستقبل” مشيدا بدور المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي في مساعيه المكثفة لعقد مؤتمر (جنيف 2) بمشاركة كل الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة.
ولفت غرينستوك الى ان الهيئة الأممية أسست للتعامل مع النزاعات بين الدول معتبرا ان “العالم يعيش أوضاعا اكثر امنا ونزاعات دولية اقل بسبب وجود هيئة الامم المتحدة والتي لديها أدوارا حيوية اخرى في مجال اللاجئين والصحة وحماية الطفولة وحفظ السلام وغيرها”.

الا انه اعترف في المقابل بأن الامم المتحدة أصبحت تواجه مشكلة كبيرة تتمثل في عجز تركيبتها وهياكلها عن تمثيل العالم الذي نعيشه اليوم مبينا ان “المجموعة الدولية لو قررت انشاء هيئة الامم المتحدة في عام 2013 لكانت تركيبتها تعكس توزيعا للقوى التي نعرفها اليوم وليس القوى التي كانت ظاهرة في عام 1945”.
وأعرب غرينستوك عن تأييده للمقترحات الدولية والعربية منها على وجه الخصوص لإصلاح مجلس الأمن وتوسيع عدد أعضائه من 15 الى 24 وتقييد استخدام حق النقض (فيتو) مشددا على ضرورة ان يشمل مجلس الأمن في عضويته الدائمة كافة القوى الدولية والإقليمية الناشئة.

وأكد على ضرورة إيجاد حالة توازن خاصة بين الفاعلية والتمثيل لضمان نجاح عمل الامم المتحدة ومجلس الأمن في المستقبل لافتا الى ان “لجنة دولية بعدد اكبر من الأعضاء عادة ما تكون اقل فاعلية بينما تفتقد اللجنة ذات عدد اقل من الأعضاء للتمثيل الدولي الكافي”.
وفي الشأن العراقي رفض غرينستوك بشدة فكرة تقسيم العراق او تبني نظام فدرالي او كنفدرالي في الأوضاع التي يعيشها البلد في الوقت الحاضر ولاسيما امام احتدام الخلافات الطائفية.

ورأى انه من الأفضل للأكراد الانفصاليين البقاء ضمن دولة العراق والتمتع بحكم محلي بصلاحيات واسعة على الأقل خلال المديين القصير والمتوسط معربا عن أمله في ان تسفر انتخابات العام المقبل في تأسيس برلمان وحكومة يكونا قادرين على قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل.
واقترح غرينستوك ان يسارع رئيس الوزراء نوري المالكي الى تشكيل حكومة ائتلافية جديدة بمشاركة واسعة لكافة تشكيلات الممثلة للشعب العراقي من اجل اخراج البلاد من حالة الانسداد التي تعيشها.

وأعرب عن الأمل في ان يتمكن الشعب العراقي من تجاوز كافة العقبات ووضع الخلافات الطائفية جانبا والانطلاق في تحقيق طموحاتها المنشودة.
وشدد على القول ان الشعب العراقي على اختلاف أطيافه عانى كثيرا في الأعوام الاخيرة وأصبح بحاجة فعلا الى الخروج من الظروف الخطيرة التي يمر بها.
والتحلق سير جيريمي غرينستوك المولود في عام 1943 بوزارة الخارجية في عام 1969 وتقلد مناصب دبلوماسية عدة في سفارات بريطانيا في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وعمل مندوبا دائما لبلاده في الامم المتحدة بين أعوام 1998 و 2003 حيث شارك في اكثر من 150 اجتماعا لمجلس الأمن الذي ترأس لجنته الخاصة بمكافحة الإرهاب بين أكتوبر 2001 وابريل 2003.
وبعد ترؤسه لجنة مجلس الأمن لغرب افريقيا قرر رئيس الوزراء الأسبق توني بلير في سبتمبر 2003 تعيينه في منصب ممثل الحكومة البريطانية الخاص في العراق ليعمل الى جانب المبعوث الامريكي بول بريمر ضمن سلطة الائتلاف المؤقتة الى غاية مارس 2004 تاريخ تقاعده من العمل بوزارة الخارجية.
ومنذ فبراير 2011 عين رئيسا لجمعية الامم المتحدة البريطانية الى جانب عمله مستشارا خاصا للجنة الإغاثة الدولية وعدد من المنظمات الدولية غير الحكومية.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.