إبراهيم العوضي:اتفاقية جنيف ومستقبل المنطقة

اتفاقية جنيف التي أعلنت يوم الأحد الماضي بين كل من إيران والدول الست الكبرى (5 + 1) بشأن البرنامج النووي الإيراني ستشكل عاملا أساسيا ومحورا مهما في رسم خارطة السياسة الدولية وفي تحديد مسار العلاقات المستقبلية وطبيعة التحالفات بين دول المنطقة. هذه الاتفاقية تمخضت بعد فترة طويلة من المفاوضات والتي بدأت بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري والرئيس الإيراني المنتخب حديثا حسن روحاني والذي وصف فور انتخابه بأنه أكثر اعتدلا واتزانا من سابقيه.

وبالرغم من أن هذه الاتفاقية وفي ظاهرها، ستعطي طمأنينة أكثر لدول الخليج العربي، حيث فرضت على إيران الحد من استمرارها في تخصيب اليورانيوم وبنسبة لا تزيد عن 5 في المئة، على أن تتعهد إيران بتسليم أي نسبة تفوق ذلك لمعالجته كيميائيا، بالإضافة إلى وقف بناء أي أجهزة طرد مركزية جديدة، على أن يقابل ذلك، عدم فرض أي عقوبات اقتصادية جديدة على إيران وحصولها على بعض أصولها المجمدة وفك الحصار على صادراتها وغيرها من المميزات التي ستمنح بالتدريح بناء على مدى تطبيق إيران لهذه الاتفاقية، إلا أنه يجب علينا أن نعي جيدا تبعات ما حدث من اتفاق بين إيران والدول الكبرى على دول المنطقة بالتحديد.
فمما لا شك فيه، أن التعامل الدولي بشأن القضية السورية وما يصاحبها من وضع متأزم ومعقد على أرض الواقع، سيتأثر بطبيعة العلاقة الجديدة بين الولايات المتحده وإيران وقد يؤدي إلى تحديد مستقبل هذه القضية، بعد انقضاء سنوات عجاف وصلت معها كافة الحلول السلمية الممكنة إلى طريق مسدود. كما أن ذلك الاتفاق يعني لا محالة أن دول الخليج عليها أن تعيد النظر في طريقة تعاملها مع الملف الإيراني وتوحيد جهودها ومواقفها تجاه خطر المطامع والتهديدات المستمره التي يطلقها الجانب الإيراني بين الفنية والأخرى. كذلك، فإن هذه الاتفاقية، قد أعطت لإيران حقا لم يكن ممنوحا لها من قبل، وهو حق تخصيب اليورانيوم، وهو ما لم يكن كذلك من قبل، لتصبح بعد أشهر قليلة رسميا من الدول النووية!
أضف إلى ذلك، فإن إيران، كما يعتقد المراقبون، قد اكتسبت زخما دوليا ومكانة لم تحرزها من قبل، قد تساعدها في لعب دور أساسي وأكثر أهمية في القضايا الدولية المستقبلية. ولعل إيران أصبحت أكثر ذكاء، حيث أنها ومنذ فوز الرئيس روحاني بالانتخابات، بدأت باتباع سياسة التقارب التدريجي مع أميركا وتقديم بعض التنازلات الممكنة مقابل تحسين فرص سيطرتها على دول المنطقة بعيدا عن استخدامها لطرقها السابقة التي أصبحت مكشوفة للجميع، فالأهم اليوم هو الوصول والتحكم بمراكز صنع القرار السياسي، بدلا من فرض السيطرة الجغرافية التي بات وسيلة عفى عليها الدهر وشرب.
ختاما، فإن الحكم على اتفاقية جنيف سابق لأوانه، فالبعض يرى أن هذه الاتفاقية ماهي إلا مقدمة لمعالجة أكثر شمولية للملف النووي الإيراني وبالتدريج، بينما البعض الآخر يجد أن الاتفاق ما هو إلا تنازل من جميع أطرافه لتحقيق مصالحه في معالجة القضايا المصيرية التي تهم أطراف المعادلة السياسية في المنطقة. الأيام وحدها كفيلة في الكشف عن خبايا هذه الاتفاقية وتأثيراتها المستقبلية!

إبراهيم أديب العوضي
Email: boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.