كان لي صديق إذا جلس معي هاجم وانتقد، واذا خرج للعلن دافع واثنى ووجد المبررات لتردي الاوضاع، حاولت ان اقنعه بأن ما يفعله هو النفاق بعينه، قال لي ان لدي مبرراتي واسبابي ومصالحي، فلا ترهقني بنصائحك.
لقد افرد الله سبحانه وتعالى سورة خاصة للمنافقين، حيث يقول جل وعلا في محكم كتابه «إن المنافقين هم الفاسقون»، وحين يصفهم بهذا الوصف البشع، فإن كلامه هو الفصل، لا شك في أن النفاق اذا استشرى في المجتمع فهو الدمار الذي لا فكاك منه، لانه يجعل المسؤول او المخاطب بمنزلة الإله، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وحين يتكرر هذا الاطراء، فإنه بالتبعية سيعتقد انه كذلك، وهنا تبدأ مرحلة السقوط، وضياع الحقوق، والتصرف بمقدرات الناس.
وبما ان النفاق بني على كذبة، وذلك لقوله تعالى «والله يشهد إن المنافقين لكاذبون»، فإنه سيؤدي بالنهاية لتغييب الفكر، واحتضان الفساد، والتغطية على العيوب، وتزييف الوقائع، وقلب الحقائق وتصنيف الناس درجات، كما سيؤدي لفساد الحياة السياسية في البلاد، فالمنافقون يقدمون «روشتة» منتهية الصلاحية لكيفية ادارة البلاد، ويقدمون ايضا لابنائنا وصفات مدمرة، توضح لهم كيفية التسلق والوصول.
يقولون ان النفاق انواع مختلفة ودرجات، ولكل نوع اهله وصفاته، واخطر انواعه هو النفاق السياسي، لانه يمس حياة الملايين، وهذا هو الذي نراه الآن في كثير من الدول، حيث لا يشعر الناس به الا بعد ان يقعوا بالمحظور، وهناك النفاق الكاذب وقد ذكره الله في سورة المنافقين السابقة، وهناك النفاق الرخيص الذي لا يستحق ان يهين الانسان نفسه لاجله، وهناك الجبان وهو الخوف، ان لم ينافق المسؤول او الوزير، ان يدخل في مشاكل لا قبل له بها، وهناك النفاق اللزج، وهو نوع ممقوت لا يتورع صاحبه عن الالحاح الى ان يصل الى غايته، ونوع ساقط لا يستحي ان يجاهر بنفاقه ويلبس الباطل ثوب الحق، وهناك النوع المتذاكي وهو الذي يعتقد ان قليلا من النفاق لا يضر ولكنه ينفع، واخيرا هناك النفاق البائس، وهو الذي يحاول اللحاق بالركب، لعله ينال شيئاً من مال او نفوذ.
لقد لاحظ الشاعر المرحوم ابراهيم طوقان ان بعض الزعماء يتاجرون بالوطنية في نفاق ممجوج، فطلب منهم ان يتوقفوا عن ذلك، وانشد قائلاً:
انتم المخلصون للوطنية
انتم الحاملون عبء القضية
ما جحدنا افضالكم غير انا
لم تزل في نفوسنا امنية
في يدينا بقية من بلاد
فاستريحوا كي لا تطير البقية
نصيحة لاخواني واخواتي، اتقوا الله في بلادكم، ولا تدعوا المنحرفين والمنافقين يفسدون الحياة الكويتية، فإن الرقص على الحبال والتلون كالحرباء ينحرف معهما السوي، وتغتال الاماني، ويهون الرجال، عندئذ لا فائدة ترجى ولا امل يتعلق به.. فهل نتعظ؟ ارجو ذلك.
د. صلاح العتيقي
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق