ثمة نوع من الأشخاص ممن يتبنون الشعارات الديمقراطية في الحياة العامة ويكفرون بها في منازلهم وبين أقربائهم. ولعل ما يثار حول هذا التناقض الفج بين ما تطلقه ألسنة البعض في الساحات العامة وبين ما يمارسه في حياته الخاصة هو دلالة على عدم ترسخ الديمقراطية الحقيقية في أذهان هذا النفر من الناس. فكيف بمن يقبل أن يعيش في بيئة أسرية يطغى فيها التسلط الذكوري والتصرفات القهرية ضد من هم أصغر سناً أو أضعف قوة أن يصبح بين ليلة وضحاهاً إنساناً ديمقراطياً?!
وكيف بمن طغت القبلية والطائفية والطبقية السلبية على تفكيره الشخصي أن يقبل مبادئ التسامح والتعددية, وأن يدعو فعلاً الى نشر الحرية الحقيقية وهو أكثر من يكرهها? هذا التناقض المريض بين الادعاء بالديمقراطية وممارسة تصرفات تتناقض مع أبسط مبادئ الديمقراطية يدل أيضاً على النفاق والتصنع والأنانية.
أعرف أشخاصاً يفكرون ويتصرفون بشكل قبلي وطائفي متطرف للغاية في حياتهم اليومية, ويدعون في الوقت نفسه أنهم أكثر الناس فهماً وإدراكاً للديمقراطية. فالمسألة بالنسبة اليهم هي عملية مصالح موقتة. فمتى تطلب منهم الوضع والظرف أن يرددوا الشعارات الديمقراطية ستراهم يتنافسون في استعمال مصطلحات ومفاهيم ديمقراطية رنانة يعرفون في قرارة أنفسهم أنهم لا يؤمنون بها, فكيف بمن هو قبلي وطائفي وطبقي في تفكيره الشخصي, وفي علاقاته مع الناس الآخرين أن يتحول بعد خروجه من باب منزله إلى بطل ديمقراطي.
لا أحب “اللف والدوران” وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتزام الشخص مبادئ أخلاقية مثل الحس الوطني الكويتي, وقبول المواطنة الحقة, والولاء الوطني, فمن المفترض على الإنسان الشجاع أن يعلن للملأ عن أفكاره وتوجهاته الحقيقية بدلاً من إخفائها تحت ستائر الزيف والنفاق والتملق والتمدن المصطنع. ولو كانت القبلية والطائفية مقبولة أخلاقياً ومنطقية فكرياً لأعلنها للملأ من يؤمن بها, ولكن لأن القبلي المتطرف, والطائفي المتطرف, والطبقي المتطرف, يعرفون جيداً خلل أفكارهم الاقصائية فهم لن يجرؤوا على إعلانها للملأ في دولة القانون.
أؤمن أن بلد خير مثل الكويت يحوي أناساً عُرف عنهم تاريخياً تسامحهم وسماحتهم في ما بينهم وارتباطهم المتين بأسرتهم الحاكمة الكريمة, هو مجتمع لن تتجذر فيه القبلية والطائفية الاقصائية, ولعل خير دليل على تسامح وتعددية مجتمعنا الكويتي سهولة اندماج عضو المجتمع في نسيجه الاجتماعي الكويتي من دون اضطراره للإعلان عن قبليته أو طائفيته, فالكويت هي لجميع أبنائها من دون استثناء. فلعل وعسى.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق