الديمقراطية وسيلة لإيجاد توافقات مجتمعية حول أفضل الحلول للمشكلات المشتركة. أي أنه من المفترض أن تساهم الديمقراطية في إيجاد حلول لمشكلات وتحديات يعاني منها أعضاء المجتمع, ولم تهدف الديمقراطية ترسيخ التناحس والتصيد ضد الشريك الآخر في الوطن. وكما تكونوا تكون ديمقراطيتكم ! أي أن ما يشكل آليات الديمقراطية ويصبغها بطعم وبنكهة خاصة هي السلوكيات والتصرفات الشائعة في المجتمع. فإذا راجت في المجتمع سلوكيات وتصرفات عقلانية أصبحت الديمقراطية في ذلك المجتمع عقلانية وعملية.
في الديمقراطية, الطبع الثقافي والأخلاقي والفكري للمجتمع بعامة يغلب على التطبع الديمقراطي, فعندما تروج في المجتمع سلوكيات وتصرفات عامة تميل إلى الجدل السلبي والعقيم وإلقاء التهم المعلبة والتشكيك في الولاء الوطني تصبح الديمقراطية في هكذا مجتمعات سلبية للغاية وانهزامية للغاية, وأحياناً نحيسة للغاية! فالديمقراطية لا تغير بسهولة ما طُبع في الذهن الجمعي للبيئة الانسانية, ولكنها توفر فرصاً لبعض المجتمعات للتغلب على سلوكياتها وتصرفاتها السلبية. الديمقراطية تقترن بالتمدن, والحياة المدنية, والتسامح وقبول الرأي الآخر, وقبول الاختلاف والتوافق, وليس العكس. الطبع السلوكي لأي مجتمع إنساني يصبغ الممارسة الديمقراطية التي تحصل فيه, فبعض المجتمعات تستخدم الديمقراطية لتطوير العلاقات الاجتماعية بين أعضاء المجتمع, وفي بعض المجتمعات تسوء العلاقات بسبب الديمقراطية! وبالطبع, لا ذنب للديمقراطية بأي نوع من الانحدارات الثقافية والسب والشتم والتخوين, في الولاء والانتماء الوطني, ولكنها تظل أدوات وآليات حرة يستخدمها البعض كيفما شاء.
الديمقراطية في غالبية المجتمعات الغربية المتمدنة تصبح نعمة, وفي مجتمعات أخرى تصبح نقمة, وجحيماً, وتطرفاً, وفرصاً مواتية للقضاء على الشريك الآخر في العملية الديمقراطية, فسبب تكرس التفكير العقلاني والعملي جراء التراكمات التاريخية والثقافية الاوروبية تتوافق آليات الديمقراطية مع طرق التفكير الرائجة في المجتمعات الغربية, فالطبع العقلاني والعملي الغربي بعامة, يجعل التطبع الديمقراطي عقلانياً وعملياً, ولكن المجتمعات التي يترسخ فيها رفض الاختلاف, ورفض التعددية العرقية والمذهبية والدينية والثقافية, تصبح فيها الديمقراطية أحياناً وبالاً على المجتمع, فبدلاً من مساهمتها في تطوير الأطر الفكرية والثقافية نحو مزيد من القبول المتبادل بين أعضاء المجتمع, تصبح الممارسة الديمقراطية في المجتمعات المنغلقة على نفسها تنكيلاً بالرأي المعارض, أو بالشريك الآخر في المواطنة, فالطبيعة البيولوجية, والفكرية, والثقافية للمجتمع تشكل الآليات الديمقراطية وفق معطيات المجتمع الأخلاقية والنفسية والثقافية, فما ينجح في مجتمعات معينة يفشل في أخرى, بل أحياناً يتحول إلى سلاح يستعمل غالباً للفتك بالآخر.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
– See more at: http://www.al-seyassah.com/expoinc/pages/runtime/exhibitor/dsn1/ra/3/ci/4013/ni/2570?siteId=494&linkid=147&cid=4805#sthash.VW9Y75AP.dpuf
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق