منحت «شركة ارنست أنديونغ» عام 2008، السيدة «نادية خالد الدوسري»، جائزة تفوق على مستوى الشرق الاوسط، بعد ان اجرت دراسة عن المملكة العربية السعودية آنذاك، واختارت «شركة السيل الشرقية للحديد والصلب» التي تترأس سيدة الاعمال السعودية مجلس ادارتها، كنموذج لتحفيز الاقتصاد الوطني.
وتقول الإعلامية «سهام حرب» في مقابلة أجرتها معها لصحيفة القبس الكويتية، ان السيدة السعودية، «كانت المرأة الوحيدة بين عدد من رجال الاعمال الذين نالوا تلك الجائزة، حتى ان احدى المجلات اطلقت على الدوسري لقب المرأة الحديدية».
والواقع ان الدوسري كانت في المقابلة ابعد ما تكون عن الحديد بسبب هواياتها الفنية في مجال الرسم والموسيقى، «واقتحامي عالم الاعمال جاء مصادفة وليس بناء على تخطيط مسبق». فقد تعرض زوجها لحادث ادى الى دخوله في غيبوبة استمرت ثلاثة اشهر تلتها سنتان تأهيل.. «مما اضطرني الى ان اتسلم مقود القيادة في الشركة» (2012/12/10).
انحدرت السيدة الدوسري من اسرة في مجال الاعمال والاستثمار ووجدت نفسها باستمرار امام قرارات مفصلية في مجال عملها، ولا شك ان هذه الشريحة من نساء المملكة امام مسؤوليات اجتماعية واقتصادية كبيرة، مع كل هذه التحولات الجارية هناك، وبخاصة دخول المرأة السعودية الحياة العملية والانتاجية على نطاق عريض: «المرأة السعودية من اقوى النساء في المنطقة، نظرا الى كل ما تتعرض له من ضغوط اجتماعية، حيث لكل فعل رد فعل له مساو له بالقوة». وسيدة الاعمال السعودية، الدوسري، «لديها مشاركة كبيرة في مختلف قطاعات الاعمال، لكنها غالبا لا تكون في الواجهة، ولذلك اننا على ثقة بأن مشاركة المرأة السعودية في التنمية كبيرة ولا يستهان بها، والكثيرون يراهنون على تعاظم دور المرأة السعودية في قطاعات الاعمال، لانها لا تشكو كثيرا وتعمل بجد وتحرص على اثبات كفاءتها».
سيدة الاعمال السعودية «ألفت قباني»، نائب رئيس اللجنة الصناعية بغرفة جدة للتجارة والصناعة، تحدثت للشرق الاوسط، 2012/2/11، عن تجربة مماثلة: «أحمد الله انني تربيت في اسرة لا تفرق بين المرأة والرجل وتعطي للفتاة كامل حقوقها. كانت خطواتي الاولى عبر شركات العائلة التي تعلمت منها اصول وتقاليد التجارة والصناعة، ومنها دخلت الى عالم الصناعة عبر شركات متخصصة في الصناعات التحويلية والعطور والبلاستيك».
وسألتها الصحيفة: أليس غريباً ان تدخلي مجال الصناعة قبل عقدين، في الوقت الذي كانت فيه معظم النساء مشغولات بفتح المشاغل وصالونات التجميل؟ فأجابت: «استغرب ان ينحصر اهتمام المرأة بمجالات محددة في حين ان جميع المجالات، وخصوصا القطاع الصناعي مفتوحة امامها. للاسف الشديد، نسبة مشاركة المرأة في القطاع الصناعي لا تتجاوز 2% رغم ان المرأة تشكل 51% من حجم السكان في السعودية».
رسمت السيدة قباني صورة غير متداولة كثيرا عن الوجه الصناعي والانتاجي للمملكة: «لقد انتقلت الاستثمارات الصناعية في المملكة من خانة المليارات الى التريليونات.. وحسب التقديرات الاخيرة فقد اقتربت من تريليوني ريال سعودي، منها نحو 214.5 مليار ريال استثمارات أجنبية، وبالنسبة لعدد المصانع، فحسب احصائية وزارة العمل فقد قفزت المنتجة منها في كافة مناطق المملكة الى اكثر من خمسة آلاف مصنع، يعمل بها ما يقرب من 600 الف عامل ومهندس وموظف اغلبهم من الرجال، حيث لا تتجاوز نسبة النساء بينهم 2% فقط هناك 26 مدينة صناعية، بينها 14 تم الانتهاء من تطويرها، والبقية سيأتي عليها الدور».
وتجابه القطاع الصناعي السعودي عقبات وتحديات أكبرها، تقول السيدة قباني، «اقامة مناطق صناعية جديدة تستوعب الطلب المتزايد للصُناع.. وهناك خطة طويلة المدى للجنة الصناعية بأن يجري توفير ما يقرب من 200 مليون متر مربع خلال السنوات العشر المقبلة.. وهناك أمور مهمة تحتاج إليها سيدات الأعمال اللاتي يعملن في المجال الصناعي، منها تبسيط الإجراءات وإزالة الروتين. مع وجود الحافز لمسألة التوظيف النسائي، ونشر ثقافة عمل المرأة، خصوصاً في القطاع الصناعي، وتغيير المفاهيم السائدة عن عمل الفتيات في المصانع، والارتقاء بنوعية وأساليب التدريب، وإقامة مشاريع صناعية تعمل فيها نساء يتم تجهيزها بالبنية التحتية والمرافق العامة، وحل مشكلة النقل والمواصلات وتأمين حاضنات أطفال بشكل مجاني أو بتكاليف رمزية في المناطق الصناعية».
وفي حديث للصحيفة، 2012/11/22، أوضحت رئيسة قطاع سيدات الأعمال السعوديات في مجلس الغرف السعودية، أن عدد المشاريع الاستثمارية التي تمتلكها سيدات أعمال سعوديات تجاوز المائة ألف مشروع، يتجاوز حجمها الثلاثمائة مليار ريال، أي نحو 80 مليار دولار، كما بلغ عدد المنتسبات للغرف التجارية السعودية نحو أربعين ألف سيدة، أو 38750 سيدة وقالت «هدى الجريسي»، رئيسة اللجنة الوطنية النسائية بمجلس الغرف السعودية للصحيفة ان «سيدات الاعمال السعوديات اصبحن رقما لا يمكن تجاوزه، سواء من حيث عدد مشاريعهن او حجم مقدرات هذه المشاريع، والتي اصبحت جزءا اصيلا في الاقتصاد الوطني».
وكتبت مراسلة الصحيفة من الدمام، 2012/6/12، «ايمان الخطاف»، ان قطاع الاغذية بات واحدا من القطاعات الجاذبة للاستثمارات النسائية في السعودية، بالنظر الى تزايد عدد المطاعم والمقاهي ومتاجر الاغذية المملوكة لمستثمرات سعوديات في الآونة الاخيرة، في حين تكشف «هناء الزهير» وهي نائب امين عام صندوق الامير سلطان بن عبدالعزيز لتنمية المرأة، «ان نصيب المرأة في هذا القطاع تجاوز 12%، بحسب تقديرات المتخصصين».
وجاء في الصحيفة نفسها يوم 2012/5/29، ان العمل جار حاليا على انشاء اول «جمعية نسائية عقارية»، تتخذ من مدينة جدة مقرا لها وتضم الجمعية في لجنتها التأسيسية 12 سيدة من المستثمرات في المدن الثلاث الرياض وجدة والدمام، بهدف النهوض بالحركة العقارية النسائية، حيث تتجه %50 من سيدات الاعمال للاستثمار في القطاع العقاري.
ونقلت الصحيفة عن احدى الوسيطات في هذا المجال، السيدة «مريم صداح»، انها ورثت هذه المهنة عن جدها، الذي كان يصطحبها معه في مراسم توقيع العقود رغم انها لم تكن تفهم الكثير من الكلمات والمصطلحات العقارية المتداولة بين المتعاملين.
واضافت انها «كانت تفزع حين يبدأ كلا الطرفين في رفع صوته، على الرغم من انها الطبيعة الذكورية، ولا تعني نشوب مشكلة، فتنسحب بهدوء تاركة الصفقة العقارية خلفها، الا ان الحال اختلفت الآن، واصبحت قادرة على مجاراة معظم الشرائح الفكرية لزبائنها».
ماذا عن المرأة في مجال المقاولات والانشاءات؟ اذ يلاحظ ان المرأة السعودية، كما سأل السيدة «ألفت القباني» مندوب الصحيفة في نفس المقابلة التي اشرنا اليها، وحتى صاحبات الاسماء البارزة محدودة النشاط في مجال الانشاء و«لا تتعدى المنشآت الصغيرة».. فما السبب؟
وكان جواب السيدة قباني «ان عامل الخوف يعتبر احد الاسباب الرئيسية في عدم اقدام المرأة على انشاء مشاريع عملاقة».
واضافت ان «الارصدة النسائية المجمدة في البنوك التي تتجاوز 70 مليار ريال تكفي لبناء عشرين مدينة صناعية متكاملة والدخول في استثمارات متنوعة واطلاق شركات كبيرة.. لكن البعض لايزال يؤمن بان رأس المال جبان، كما يقول المثل القديم».
واشارت الى التحدي الكبير الذي يجابهه المجتمع السعودي أي البطالة كهاجس اكبر للنساء والرجال، واضافت: «مع الميزانية الضخمة التي تم الاعلان عنها اخيرا، والتي وصلت إلى 690 مليار ريال نتوقع ان يجري فتح باب التوظيف في جميع القطاعات بشكل مقنن ومدروس، فنحن نحتاج الى مليون وظيفة خلال السنوات الخمس المقبلة لاستيعاب الخريجين وتوفير سبل الحياة الكريمة للجميع»، واشارت الى مشكلة الاسكان خاصة واعتبرت «ان تدخل الدولة لانجاز 500 الف وحدة سكنية كان من الحلول النموذجية».
ورغم ثقة السيدة قباني بالمرأة السعودية داخل مجلس الشورى ودورها المأمول في صياغة القوانين واللوائح، الا انها بدت متخوفة من التحديات التي تجابه المرأة السعودية كي تنجح في الوصول الى الوزارة فـ«الدعم الرسمي، قالت،: «موجود على اعلى مستوى، لكن هناك ثلاث خطوات مهمة من وجهة نظري، تنقص المرأة السعودية لشغل هذه الوظائف، اولاها: امتلاك الخبرة والمعرفة والادوات في مجال العمل العام، والثانية: الحصول على مساندة ودعم المجتمع بكل شرائحه وتصنيفاته، والخطوة الثالثة اتاحة الفرصة لها لتثبت وجودها».
ولا يختلف المتابعون للقضايا التنموية في المملكة العربية السعودية في ان نجاح المرأة في مختلف المجالات العامة بحاجة ماسة الى الجهدين العام والخاص، ولا يمكن للمرأة وحدها ان تتصدى لكل العوائق. ويبدو ان بعض الشركات الكبرى باتت تعي هذا الدور، حيث كشف مسؤول رفيع المستوى في مارس 2012 عن عزم «شركة سابك»، احدى اكبر شركات المملكة في المجال الصناعي، في التوسع في توظيف المرأة السعودية خلال الفترة المقبلة، في ظلال تدني معدلات توظيف العنصر النسائي في الشركة مقارنة بالموظفين الشباب، وصرح نائب رئيس الشركة في الرياض ان «سياسة الشركة هي الاستثمار في الموارد البشرية، والنساء عنصر مهم في عملية التنمية، لذلك الشركة تدرس بجدية عملية التوسع في توظيفهن خلال الفترة المقبلة» (2012/3/22).
وبما أن المشاريع الصغيرة تلعب دوراً اساسياً في ادخال نساء المملكة الى مجالات الانتاج، فقد اظهرت ندوة اقتصادية في ابريل 2012، ان الاجراءات والانظمة تقف حائلاً امام استمرارية 45% من المشاريع الصغيرة في السعودية وبينت الندوة التي عقدت في مدينة «الخبر» شرقي المملكة ان اشكالية التمويل تأتي في المقام الثاني ضمن المعوقات بنسبة 35%، ثم صعوبات التسويق بنسبة %20، ثم مشكلات العمالة وصعوبة الحصول على التأشيرات بنسبة 44%، ثم الصعوبات التقنية والمشاكل الادارية، واخيرا اشكالية توفر المعلومات وصعوبة الحصول عليها وبينت مستشارة المشاريع الصغيرة السيد «فرح آل فرج» خلال الندوة التي نظمها صندوق الأمير سلطان بن عبدالعزيز لتنمية المرأة، انه من خلال دراسة اجريت في السوق، «تبين ان المشاريع الصناعية اقل عوائق من المشاريع الخدمية والتجارية، لأن فرصة المنافسة ضئيلة في طبيعة تلك المشاريع، كما أن فرصة الربح في المشاريع الصناعية باتت تتضاعف».
ولكن هل لسياسات تشجيع المرأة ومجالات عملها المتوقعة وقضايا البطالة اي انعكاس على اختيار الفتيات لتخصصاتهن الدراسية؟
حضرت الاعلامية «ايمان الخطاف» حفل التخرج السنوي لطالبات جامعة الدمام في مايو 2012، وكتبت لصحيفة الشرق الأوسط، 2012/5/11، تقول:
إن بهجة أجواء الاحتفال لم تخف حالة القلق التي تعيشها كثير من الخريجات، ومبعثه الغموض من المستقبل والخوف الوقوع في فخ «البطالة»، في ظل ما تكشفه أحدث النسب الرسمية من ان معدل البطالة بين النساء السعوديات بلغ 28.4%، وهي نسبة يصفها المختصون بـ «الكبيرة» مقارنة ببقية دول العالم.اذ بدأت مجموعة من الطالبات في الالتحاق بالدورات التدريبية المطلوبة في سوق العمل وهن على مقاعد الدراسة، كما أفصحن لـ «الشرق الأوسط»، آملات ان تحسن سوق العمل استقبالهن بعد ان أنهين دراستهن الجامعية، في حين تكرر أثناء الحفل ترديد جملة «مبروك التخرج وعقبال الوظيفة»، على اعتبار أنها المرحلة الأهم الآن في حياة الخريجات، وهو ما تؤكده الطالبة حنين الأنصاري بقولها «سعيدة بالتخرج لكني أفكر هذه اللحظة في ما بعد التخرج»، وتتفق معها زميلاتها ندى سالم بالقول «سنبدأ في البحث عن فرصة عمل مناسبة منذ الآن».
كما بينت معدة التقرير اعداد الخريجات في مختلف التخصصات والكليات قائلة:
« غصت الصالة الرياضية الخضراء بنحو 4762 طالبة من المتوقع تخرجهن ضمن الدفعة 33 للجامعة، موزعات على كليات الجامعة بفروعها: كلية التربية بحفر الباطن 1027 طالبة، كلية العلوم للبنات 500 طالبة، كلية العلوم الصحية للبنات بالدمام 86 طالبة، كلية العلوم والآداب بالنعيرية 382 طالبة، كلية العلوم والآداب بالخفجي 312 طالبة، كلية العلوم الصحية بالقطيف 13 طالبة، كلية الآداب للبنات بالدمام 1201 طالبة، كلية التربية للبنات بالجبيل 80 طالبة، كلية العلوم الطبية التطبيقية 120 طالبة، كلية الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع 31 طالبة، كلية ادارة الأعمال 452 طالبة، كلية خدمة المجتمع بالقطيف 220 طالبة، كلية التصاميم 39 طالبة، كلية العلوم الصحية للبنات بحفر الباطن 41 طالبة، كلية الطب 151 طالبة، كلية التمريض 107 طالبات».
ولست خبيراً بمناهج الدراسة في الجامعات والكليات النسائية المذكورة، ولكن ثمة على الأرجح فجوة بين طبيعة الدراسات ونوعية الكليات من جانب، وتوجهات التنمية والشركات والتوظيف النسائي من جانب آخر، ولا شك ان المملكة بحاجة الى آراء الاستثماريين أكثر من التربويين، ان كانت بصدد تقليص البطالة، وهذا ما تقوله لنا التجارب الاسيوية الناجحة.
نجاحات المرأة السعودية واخفاقاتها في مجال الاستثمار التجاري والصناعي هي بلا شك امتداد طبيعي للدور الجديد الذي باتت تقوم به وسط تحديات لا تحصى، تعيشها معها كل يوم الموظفات والشرائح المتوسطة والشعبية في المجتمع السعودي المتحول، ولا شك انها قادرة على مجابهة هذه التحديات كما سنرى في مقالات قادمة.
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق