خالد الجنفاوي: “ديمقراطية” النفوس الضيقة والأيدي الطويلة

ربما أكون مبالغاً نوعاً ما في تشاؤمي المنطقي حول وضع الديمقراطية في بعض المجتمعات الشرقية التقليدية, ولكنني أعتقد من الصعب أن توجد ديمقراطية بلا وجود ديمقراطيين. وإذا كان ثمة علامات بارزة تدل على تناقض بعض الديمقراطيات العربية- الشرقية مع المعايير الديمقراطية التاريخية والمعاصرة فهي التالي: رواج النفوس, والعقول الضيقة, والألسن, والأيادي الطويلة والمستعدة دائماً للهجوم الشرس والدموي أحياناً على الشريك الآخر في العملية الديمقراطية. فبالإضافة إلى كون جزء معين من الديمقراطية العربية المعاصرة خليطاً غريباً من نزعات فكرية شرقية ديكتاتورية وشعارات ديمقراطية غربية “تردد فقط للإستهلاك الشعبوي” فديمقراطية الشرق لا يبدو انها انغرست بعد وبشكل فعلي في العقل الجمعي, فهي لا تزال وستستمر ديمقراطية الإقصاء والأحذية المقذوفة, وكؤوس الماء المحذوفة, وألسنة ملتهبة وأدمغة فارغة تسب وتشتم الرأي الآخر, وستبقى دائماً وأبداً ديمقراطية الأيدي الطويلة تحقيقاً للفرضية الشرقية الأصيلة: إذا لم تطله بلسانك فطله بيديك وأرجلك, إن استطعت !
الديمقراطية الحقيقية هي ما تترسخ بداية بين الناس العاديين وفي حياتهم اليومية, ومن ثم تشكل لاحقاً هويتهم الثقافية والحضارية, وعندئذ فقط سيتحول المجتمع إلى مجتمع ديمقراطي, قولاً وفعلاً, حيث يتم فيه تقدس الحرية الشخصية, واحترام خصوصيات, الناس وقبول التعددية العرقية, والدينية, والمذهبية, والثقافية, لأعضاء المجتمع. وبعدئذ يمكن وصف هذا أو ذلك المجتمع بانه قولاً وفعلاً أو نوعاً ما مجتمع ديمقراطي حقيقي.
أما ما تتم فبركته من شعارات ديمقراطية مستعارة من غرب حضاري, ومتقدم, ومحاولة إقحامها قسراً في بعض عقليات شرقية ضيقة تستوعب فقط لغة القوة والبطش, والإقصاء, والقسوة, فنتائج ذلك معروفة وهي تفاقم الخلافات السياسية والاجتماعية بين أعضاء البرلمان “الديمقراطي” واستعمال بعض البرلمانيين لكل ما يقع تحت أيديهم من أسلحة يقذفون بها خصومهم!
الديمقراطية ليست طقماً جاهزاً يمكن أن يشتريه أحدهم من أحد الدكاكين, ومن ثم يستخدمه لتحقيق المعجزات في المجتمع. فالديمقراطية الحقيقية بدأت ولا تزال في المجتمعات المتحضرة أسلوب حياة تسامحي وتقدمي (Progressive). فمن الصعب إذا تخيل أن يصبح المجتمع بيئة ديمقراطية إيجابية في ليلة وضحاها ما دامت معايير وقيم ومبادئ المؤسسة للعلاقات الاجتماعية في البيئة الانسانية لا تزال تستند إلى طرق تفكير ماضوية ضيقة الأفق لا تزال ترتكز على لغة القوة والقهر والبطش والجبروت ضد الشريك الآخر في العملية الديمقراطية.

*كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
– See more at: http://www.al-seyassah.com/expoinc/pages/runtime/exhibitor/dsn1/ra/3/ci/4013/ni/3870?siteId=494&pageId=&linkid=147&cid=177837#sthash.qaVSQdQg.dpuf

المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.