بحضور ومشاركة عدد كبير من المسرحيين والأكاديمين الخليجيين والعرب، انطلقت صباح السبت أعمال الندوة الفكرية (الكوميديا والمسرح) والتي تستمر يومي السبت والأحد بفندق جي دبلو ماريوت في جلسات صباحية ومسائية، وتتناول تجارب المسرح الكوميدي في دول الخليج.
في الجلسة الافتتاحية الأولى التي أدارها د.فيصل القحطاني، قدم د. نادر القنة أستاذ الدراما وعلوم المسرح، ورقة بحثية مطولة تحت عنوان “جينالوجيا الكوميديا بين التركيب الأنثروبولوجي… والبارادوكس السياسي” مستعرضا نشأة الكوميديا وأنواعها ومدارسها، مشيرا إلى أن علماء الدراما أرجعوا النشأة التكوينية الجنينية لفن الكوميديا إلى المُركّب الدلالي من الناحية اللغوية والاصطلاحية للمفردة اليونانية Komedia، والتي ترتبط جذريا وفق أرسطو بمفردة Comos «وهي المأدبة الماجنة التي كانت تقام في نهاية احتفالات ديونيزوس كمحاكاة تهكمية لها، كما ذكر في المصدر نفسه أن هناك من يعيد الكلمة الى Kome’، وهو اسم قرية عرفت الطقوس الأولى التي أفرزت الكوميديا»
الكوميديا وصراع الهويات المركزية
ويربط د. القنة في بحثة بين المسرح والحالة السياسية والاجتماعية التي واكبت تطوره ، ويتوقف عند بدايات فج المعرفة في اوروبا، ويقول: مع انحسار دور الكنيسة – نسبيا – في القرن السادس عشر، بدأ فجر معرفي وعلماني جديد يُبشر بنهضة علمية وفنية وفكرية أساسها إطلاق شعاع من الديموقراطية والنقد وحرية التعبير.. فبناء النهضة، والانطلاق نحو استكشاف المستقبل لا يستقيم دون ديموقراطية، ودون نقد علمي بناء، ودون ممارسة للحريات على أرض الواقع، فحينما تتوسع الديموقراطية، وتنتشر الحريات، ويصبح النقد العلمي الموضوعي مُباحا تتوسع حركة الثقافة والفكر، ويتجلى دور المسرح بأهدافه التنويرية، والأبيستمولوجية والإنسانية.
يقول د.القنة تحت هذا العنوان إن التسمية – هنا – لا تتوقف فقط عند حدود التمييز بين فرقتين متجاورتين في مساحة مكانية مشتركة; واحدة فرنسية والأخرى إيطالية. وإن كان ذلك مقبولا من الناحية الشكلانية… غير أن الأمر برمته يعود إلى ظاهر الصراع على تأكيد الهويات الثقافية المركزية في أوروبا، والذي بدأ يطل برأسه منذ مطلع عصر النهضة، حيث أخذ أشكالا مختلفة في السياسة والثقافة والفنون والحراك الاجتماعي، حتى إن كان نبراس ذلك كله النزعة الإنسانية التي ظهرت في الفلسفة والفنون والعلوم، ومن ثم بدأت تسود العصر كله انطلاقا من مركزيتها الفنية حول فلورنسا في إيطاليا.
الكوميديا.. والبارادوكس الأمريكي
وحول بدايات المسرح الكوميدي في الولايات المتحدة الأمريكية يقول د. القنة أنه بدأ يطل برأسه في الخريطة المسرحية في منتصف القرن التاسع عشر، وتماشيا مع الطبيعة الأنثروبولوجية للشعب الأمريكي؛ الذي يفضل الصخب والإثارة، والسرعة، وعدم التقيد بالقواعد الفنية، فقد انتشر هذا اللون في معظم المسارح الأمريكية وصار له جمهوره.. خاصة أنه راح ينتهج أسلوب النقد والهجاء السياسي للحياة الأمريكية والأوروبية، متسلحا بالنزوع نحو الديموقراطية، وحرية الفرد في التعبير والنقد السياسي والاجتماعي والأخلاقي.. فصار هذا اللون يوجه جام غضبه وتهكماته على المؤسسة السياسية ومظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية في سائر الولايات.. فازداد جمهوره يوما بعد يوم، وعرضا بعد عرض، بل ونقدا بعد نقد وسخرية بعد سخرية ومع نهاية القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، تبلور البورلسك الأمريكي بشكل تركيبي واضح، بعد أن أدخل عليه المسرحيون الأمريكيون وفق ثقافتهم الرأسمالية التي تنزع إلى تسليح الفن والثقافة بالكثير من عناصر الابهار البصري والفُرجوي، الذي يلعب على وتر الأحاسيس.
التوصيات
وخلص الباحث د. نادر القنة الى التوصيات التالية خاتمة بحثه:
1 – ضرورة التفكير بإقامة مهرجان مسرحي للعروض المسرحية الكوميدية.. تعزيزا لهوية هذا النوع من المسرح، وحتى نفرق بين المسرحيات الكوميدية الرصينة وما يقدم من ثقافة مسرحية استهلاكية تحت مظلة الكوميديا.
2 – أجدد الدعوة إلى ضرورة البدء في الإعداد لإنجاز موسوعة مسرحية علمية على غرار الموسوعات العلمية الأكاديمية العالمية التي تصدرها الدوائر النقدية المعترف بها مثل: موسوعة أكسفورد الصادرة عن جامعة أكسفورد، وموسوعة كامبريديج للدراما التي تصدرها جامعة كامبريدج.. بالإضافة إلى الموسوعتين الأمريكية والفرنسية.. فمثل هذه الموسوعات علاوة على أنها تشكل مرجعيات مهمة للباحثين والدارسين في علوم المسرح، فإنها تفك التشابكات الإشكالية الواقعة على بعض الاصطلاحات المسرحية، نتيجة ما حدث لها من التباسات مفاهيمية أثناء تطورها، وأثناء التطبيق عليها من إيكولوجية ثقافية إلى أخرى.
3 – أقترح أن يكون محور الدراسة في العام المقبل حول موضوع المسرح والتنمية.. فما أحوجنا إلى أن نكون شركاء وفاعلين في مشروع التنمية الوطنية الشاملة، وكذلك التنمية القومية الشاملة.
التعقيب والمداخلات
في تعقيبه على البحث قال وزير الثقافة الأسبق في المملكة الاردنية الهاشميةصلاح جرار، إن البحث حمل عنوانا فضفاضا عاما، وجاء العنوان أكبر من جسد الدراسة، وتساءل: لماذا ركز الدكتور القنة على البارادوكس السياسي فقط في بحثه؟ كما تساءل عن غياب التجربة العربية في البحث موضوع النقاش، وقال أيضا إن البحث تناول الديمقراطية وعلاقتها بالكوميديا وتحث عن النتائج في العلاقة وليس في التفاصيل، وستغرب اصرار الدكتور القنة علىاستخدام المصطلحات الاجنبية وليس العربية، وفي مجمل البحث أشاد ضراج بالجهد الذي بذله الدكتور القنة والذي جاء في مجمله قيم وهام.
وشهدت الجلسة الأولى العديد من المداخلات بدأها يوسف حمدان الذي نبه الى ان ما استوقفه هو مسمى البحث وتمنى لو تم اختصاره او تبديله وقال ان هناك خطوط مهمة في نشأة الكوميديا عند الاغريق والرومان وايطاليا وعصر النهضة.
بدوره قال سعيد ناجي أن هناك ملاحظات لفتت انتباهه أهمها ان علاقة الكوميديا بالديمقراطية اتضح من خلال البحث انه اهتم بمفهوم الكوميديا اكثر من مفهوم الديمقراطية وان هناك لحظة تؤرخ الكوميديا في الواقع العربي في هذه اللحظة يتبلور عن الوعي العربي هو مفهوم خاص انحصر في المدح والهجاء كما تطرق الى ان هناك تحديد علمي يربط بين الكوميديا والضحك ولكن هناك جانب أخر بالكوميديا لا يرتبط بالضحك وهو السخرية.
ومن جهته قال عمر غباشي أن الأيدلوجية وأسبقية الغرق في التعدي على الديقراطية لأنه لو افترضنا أن الغرب كل لديه توجه لذلك فيجب آلا نأصل على نظرية أن الكوميديا هي تعدي على الديمقراطية.
وقدم حسام عبد الهادي أكثر من ملاحظة كان أهمها تمنياته لو عمل البحث على رصد التجارب المسرحية على مر تلك العصور التي تم تناولها،كما نقص الدراسة الجانب العربي خاصة أن الكوميديا العربية قدمت أعمالا غاية في الجدية وهناك أمثلة على ذلك مثل الريحان والكسار ودريد لحام.
ولفت علي العليان أن البحث لم يتطرق إلى القمع العثماني لكل أشكال الفن والأمثلة هنا تكمن مثلا في خليل القباني والأخوين لاما.
وقدم سامي الجمعان شرحا مختصرا عن نشأة الكوميديا من وجهة نظره الخاصة حسب قوله ، في حين قال د.أحمد صقر أن الدراسة ينقصها أن تصل بالمتلقي إلى المحور الثاني،ورغم انه استعرض بشكل منظم تاريخيا لكنه لم يلقي الضوء على المنطقة العربية.
د.حسن عطية قدم ايضاحات واعادة شرح بشكل مختصر حول بعض ما قدم في البحث ، في حين تطرق بدر الرفاعي الى الديقراطية وارتباطها عبر العصور التي تناولها البحث وشرح ارتباط حرية التعبير بالتفكير،وتحدث عن سقراط وكيف نقل عنه أفلاطون ثم انتقل الى القول ان اعتى دول الديقراطية لا تتحمل النقد اللاذع أو الكوميديا وضرب مثل باليابان وأمريكا.
ورد الدكتور القنة على المداخلات، مبينا حدود البحث كما طلب منه وانه لا يستطيع أن يرضى كل رغبان ورؤى الآخرين، وطالب في ختام حديثة بضرورة وجود مرجعية مسرحية عربية يلجأ اليها المسرحيون العرب وقت الاختلاف للاحتكام للمنهجية العلمية في الاشتغال بالمسرح وقضاياه.
الجلسة الثانية: بلال بحث في المسرح الكوميدي وخلق التقاليد في الكويت
في الجلسة الثانية وتحت عنوان (المسرح الكوميدي وخلق التقاليد في الكويت) قدم الدكتور محمد مبارك بلال ورقة بحثية، استعرض فيها مسيرة المسرح الكوميدي في الكويت، وأبرز نجمومه والظروف السياسية والاجتماعية التي استطاعوا ترجمها وتجسدها على خشبة المسرح، وادار الجلسة … ويؤكد بلال في مقدمة بحثه على ضرورة الاعتراف بالدور البارز والمؤثر الذي أسهمت به مرحلة المسرح المدرسي، والجمعيات الأدبية، وفترة مسرح النشمي التي تلتها في الخمسينيات، وذلك بتأسيسها تقاليد بداية المسرح في الكويت، فهذه المراحل يعزى إليها بحق العديد من المؤثرات الفاعلة في ترسيخ تقاليد المسرح في الكويت.
الإنجازات المسرحية
واستعرض بلال الإنجازات المسرحية في الستينيات والسبعينيات، مؤكدا ان مرحلة أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات في الكويت تميزت بالعديد من الإنجازات التي ساهمت في دعم النشاط المسرحي، وبلورت دوره وتوجهاته، كي يصبح النشاط الفني والثقافي الأول، الموجه لخدمة الجمهور وتثقيفه، فمثلا كانت الدولة هي المخطط الأول للمسرح وداعمه المالي، فمن حيث كونها ممثلة بوزارة الإعلام، بادرت بإنشاء الجوانب التنظيرية لتأسيس حركة ثقافية وفنية، تبدت بإصدارات الوزارة من كتب ودوريات، مثل سلسلة «من المسرح العالمي» و«عالم الفكر» ومجلة «العربي» ومجلة «الكويت» ومجلة «التراث»، كما بدأ إنشاء محطة تلفزيون الدولة، والذي كان مختصا ببث الأفلام والمسرحيات العربية، وفي الفترة نفسها تقريبا، صدر قانون المسارح وإنشاء الفرق المسرحية الأربع وهي:
«المسرح العربي والمسرح الشعبي والمسرح الكويتي وفرقة مسرح الخليج العربي»، كما تم قبلها الإعداد لزيارة الرائد العربي المرحوم زكي طليمات وتكليفه بوضع تقرير لواقع المسرح في الكويت، ثم الإشراف على فرقة المسرح العربي الجديدة، وكان من أبرز نتائج تلك الإنجازات تنظيم عمل الفرق المسرحية الأربع، بحيث انتظم نتاجها المسرحي ضمن موسم سنوي ثابت، ومن النتائج المهمة أيضا لعملية تنظيم المسرح، اتضاح معالم التيارين الرئيسين في المسرح الكويتي، المتوارثين منذ مرحلة ما بعد بدايات المسرح المدرسي، ومرحلة الجمعيات الأدبية، وهما تيار المسرحية العامية، وتيار المسرحية الفصحى، كذلك شهدت مرحلة أوائل السبعينيات إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية الذي أصبح المصدر الأكاديمي الوحيد لإنتاج الفنانين في منطقة الخليج العربي.
بدايات الكوميديا في الكويت
يقول بلال إن مسرحية «عشت وشفت» هي أولى المسرحيات الكوميدية في الكويت، التي توظف اللغة والموضوع المحلي، ومن رحم ورشة المسرح العربي الذي كان يقوده رائد المسرح العربي زكي طليمات، مع أن أغلب العاملين في مجال الكوميديا في مرحلة الستينيات، يمكن اعتبارهم تأثروا بشكل ما بإنجازات النشمي المسرحية التي استمرت حتى العام 1957، عام ظهور الرائد العربي الكبير الأستاذ زكي طليمات، فإنه يجب الاعتراف بأننا بصدد الحديث عن جيل فني آخر تعامل مع معطيات أخرى، تختلف عن بيئة وتقاليد مسرح النشمي المرتجل، الذي كان يعاني نقصا فنيا واجتماعيا وتنظيميا.
مهرجان المسرح المحلي
كانت مساهمة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بإنشاء المهرجان المسرحي المحلي الأول (العام 1988)، هي أحد الحلول العملية الجزئية لمشكلة خلق ثقافة بديلة لمسرح القطب الواحد السائدة، والتعويض عن غياب المسرح الموازي أو النوعي، وقد استُقبلت هذه المبادرة بالمباركة لدى المهتمين بالمسرح، وكإنجاز يضم إلى إنجازات المؤسسات الحكومية لدولة الكويت الثقافية في الداخل والخارج، ومنذ ذلك التأسيس الرائع لهذا المهرجان، والدولة ممثلة بالمجلس الوطني حريصة على استمراره وتطويره.
وعن مهرجان محمد عبدالمحسن الخرافي للإبداع المسرحي، قال إن هذا المهرجان يمثل واحدة من المبادرات الخاصة الرائدة في إنشاء مهرجان خاص بالإبداع المسرحي، بل إنه يكاد يكون الوحيد في العالم العربي، لم تُقصد بإنشائه المنافسة بقدر ما مثله من روح الامتداد والتواصل، والمساهمة في إحياء الحركة المسرحية في الكويت.
المسرح الكوميدي الخاص
يقول د. بلال إن الكوميديا الشعبية كادت أن تصبح النوع المسرحي الوحيد في مجمل النشاط المسرحي الكويتي، وهو ما يشكل بالضرورة خللا في التوازن النوعي لإنتاج المسرحيات، في القطاعين العام والخاص. ولأن المسرح الخاص يقوم بتمويل نفسه ويعتمد على بيوعات شباك التذاكر، وبالتالي يقدم ما يريده الجمهور، فإنه لم يتوقف، ورصيده المالي والجماهيري في تزايد مستمر، ضمن انخفاض معدلات الثقافة وأزمتها الخانقة، وتراجع دور الجهات المعنية بتطويرها ودعمها، ومع القناعة بأهمية تعدد أنواع المسرح، ومشروعية تواجد الكوميديا الشعبية، إلا أن عدم إيجاد أنواع أخرى من المسرحيات، ضمن ما يسمى بالمسرح النوعي أو المسرح الموازي، ساهم بترسيخ العرف الخاطئ بأنه لا ضرورة لأي نوع آخر من المسرحيات، فالمسرح مكان للتسلية فقط، وحبذا لو كانت من نوع الكوميديا الشعبية الهابطة، والتي يقاس مدى نجاحها الآن بمقدار ما فيها من نكات سمجة، المهم أن يعيش الجمهور في غيبوبة الإضحاك!
الكوميديا الحديثة
ويختتم بلال ورقته البحثيه بالقول إن مشكلة المسرح الكوميدي المعاصر في الكويت أنها مازالت تعتمد على المسارح الخاصة التي تحكمها الظروف الموسمية، حيث إنها لا تنطلق أساسا من منطق أدبي أو فني، يهدف بالأساس إلى تطوير الواقع الفني، بل إن هذه الفرق والمؤسسات الخاصة تخضع دائما إلى مبدأ السوق ونظرية العرض والطلب، وتؤسس أعمالها السنوية سواء في إنتاج المسرحيات أو الأعمال التلفزيونية أو السينمائية، على مواسم المناسبات والأعياد، ولأنها تخضع لمتطلبات السوق فإن القائمين على هذه الفرق يفضلون تقديم الكوميديا الساخنة والهابطة على السواء، ويقسمون مواعيد إنتاجهم بين المسرح التلفزيوني، ثم يعودون لبياتهم السنوي منتظرين الموسم القادم!.
قم بكتابة اول تعليق