نجح حفل «الملتقى الاعلامي العربي»، الذي اقيم في «بيت العثمان» بحولي مساء يوم 18 ديسمبر 2013، في احياء ذكرى الراحل الكبير محمد مساعد الصالح، احد مؤسسي الصحافة الكويتية ومطوريها، واحد ابرز رواد التسامح والتعددية والتنوع السياسي في المجتمع الكويتي، حيث تم افتتاح مكتبة «أبوطلال» الشخصية في مكانها الجديد في «بيت العثمان»، ليتوجه اليها القارئ كلما اشتاق الى تحيته المعروفة «الله بالخير»، والتي طالع بها القراء على امتداد سنوات طويلة. فمن منا لم يتألم ويتوجع برحيل هذا الانسان والاعلامي الكبير، ومن منا لم يشعر ولا يزال بالفراغ الصحافي والاجتماعي الذي تركه خلفه منذ وفاته قبل ثلاثة اعوام؟
كان الاحتفاء بالاعلاميين الكويتيين والعرب في الليلة نفسها شيئا ذا دلالة واختيارا موفقا. فقد كان ابوطلال احد رواد تطوير الصحافة الكويتية ومن العاملين على توسيع دائرة التقارب والتسامح في المجتمع الكويتي، وتقدير كل العاملين في الصحافة بغض النظر عن جنسياتهم، حيث قدم الكثير منهم، كويتيين وعربا، خدمات جليلة لهذه الثقافة الاعلامية التي نهضت بالخدمة الاعلامية في الكويت، وصارت لسنوات عدة قاربت الربع قرن، من ابرز الصحف العربية واقدرها على اجتذاب اهتمام القراء خارج الكويت، ومتابعتهم لما تنشر.
ولا شك ان الفعاليات الاعلامية والشخصيات الصحافية التي حضرت، احيت من جديد مشاعر ثقافية وفكرية رفيعة ضمن الاحتفال، ودللت على اتساع وثراء وعراقة هذا المجال في الكويت وما صار له من امتدادات.
ولم يشهد الحفل الصحافيون وحدهم، فقد شمل الاحتفاء والتكريم شخصيات اعلامية كالسيد رضا الفيلي، وشخصيات من المجال المسرحي كالنجم عبدالحسين عبدالرضا وآخرين. ولربما تضاعفت حاجة المجتمع الكويتي في هذه المرحلة، وسط كل ما يحيط بنا من عنف وتعصب وتشدد ديني، الى احياء كل قيم الاعتدال والتسامح التي نشرها الاعلام الكويتي، وتداولتها الحركة المسرحية، وتغنى بها المغنون والفنانون رجالا ونساء.
هذان «الاحتفاء والتكريم» لكل هذا الحشد الاعلامي المعطاء من الرجال والنساء، والكويتيين والعرب، في ضيافة «الملتقى الاعلامي العربي» ومكتبة شخصية اعلامية بارزة كمحمد مساعد الصالح، يعبران في الواقع عن نقلة نوعية في هذا المجال. فالمعروف ان الاعلام كما عهدناه والصحافة الورقية برمتها قد دخلتا مرحلة جديدة مع الانترنت وادوات التواصل والصحافة الالكترونية. ومن يدري، فلربما اختفت في القريب العاجل حتى «دور النشر» و«المؤسسات الاعلامية»، وبات المحررون يرسلون نتاجهم من بيوتهم ومن مناطق الاصطياف والسفر. فهل كان هذا الجيل الذي جرى تكريمه في «بيت العثمان»، آخر جيل عاش الحياة الصحافية كما عرفناها، ورأى اشياء من قبيل «صف الحروف بالرصاص» و«المسودات والمبيضات» و«تحميض الصور» وضياع المظاريف وتأخر البريد؟
بمعنى اوسع، لم يعد احدنا واثقا من بقاء ما يسمى الصحافة اساسا، اي هذا الجهد الاعلامي الثقافي المتجسد في اوراق او صفحات الكترونية تصدر بجهد جماعي يرأسه شخص يدعى رئيس التحرير وينوب عنه شخص آخر يدعى مدير التحرير وتحته مشرفون ومحررون! وقد تختفي هذه التجربة والممارسة برمتها، لتحل محلها اشكال جديدة ربما فردية رقمية.. من التواصل، او صحافة من نوع آخر لا نتصوره اليوم!
ان الثورة الالكترونية اليوم في زعزعتها للاعلام السائد تشبه ثورة الكتابة اول ما ظهرت، وثورة الطباعة وغيرها. ففي عصر الكتابة ساد الخطاطون وتاه اصحاب الخط المشرق الجميل على بقية الكتاب. ثم ظهرت الطباعة لتتسبب في افلاس الكثيرين ممن كانوا ينسخون المؤلفات ويبيعون الكتب والمخطوطات بأغلى الاسعار. وصار بامكان ابسط الناس ان يشتري كتابا او حتى يؤسس مكتبة منزلية. وكانت المكتبات لفترة طويلة محل تباهٍ بين الناس والامم، ومحط اهتمام الباحثين عن النوادر. وظهرت اليوم الكتب والمكتبات الالكترونية الرقمية، الى جانب الصحف والمجلات، وتحولت الصور الثابتة الى لقطات فيديو ومختارات مصورة لا آخر لها.
لقاء الاربعاء في «بيت العثمان» اذن كان لربما مناسبة تاريخية بالفعل، جمعت كوكبة من الاعلاميين ممن عاشوا ازهى ايام الصحافة الكويتية، واعطوها احلى سنوات العمر واكثرها امتلاء بالتعب والمعاناة والسهر، في غرف وصالات تخنقك فيها رائحة الدخان، قبل ان يصبح التدخين نفسه تدريجيا من العادات الممنوعة.
وتبقى في النهاية كلمة شكر للمشرفين على هذا اللقاء والمنظمين له، وبخاصة الاعلامي الزميل «ماضي الخميس»، المشرف على «الملتقى الاعلامي العربي»، وكلمة شكر ثانية للاعلاميين من كتاب وكاتبات ممن خدموا الصحافة والثقافة والفنون بأنواعها في الكويت، وللاخ «انور الياسين» الذي بذل ولا يزال جهدا واضحا في التعريف بدور محمد مساعد الصالح والتنويه بتراثه.
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق