غياب العمل التنظيمي هو سبب كل المشكلات التي تعانيها الساحة السياسية، وكما سبق أن طرحنا، ليست العقدة في التسمية، فإذا كنا لا نريد مسمى أحزاب فليست مشكلة، وإذا كنا لا نريد تسمية مثل تلك التنظيمات بالهيئات فلا مشكلة أيضا، لكن نستطيع أن نسميها «جماعات سياسية» كما وصفها الدستور نفسه، أو نسميها «جمعيات سياسية» كما في البحرين، فالمهم هو المضمون وليس المسمى.
كل تلك الفوضى سببها الفردية في العمل السياسي، وخصوصاً الشرائح حديثة العهد بالعمل السياسي، فهي لا تفهم ثلاثة أرباع مواد الدستور، ومع ذلك تطرح مطالبات غريبة بعض الشيء، الأمر الذي يدفعنا إلى الإسراع في إشهار تلك الجمعيات أو الجماعات السياسية، حتى تكون مدارس أولا للعمل السياسي، يتدرب فيها من يرغب أن يكون ناشطا سياسيا، وحتى نضمن ألا يخرج الحراك السياسي عن النصوص الدستورية المحددة.
عندما يطالب أحدهم بانتخاب رئيس الوزراء فنحن أمام تعديل دستوري، وهذا التعديل حسب الدستور يتطلب توافق إرادتين، إرادة سمو الأمير من جهة بصفته ممثلا للأسرة الحاكمة طرف العقد الاجتماعي، وإرادة الأمة التي هي الطرف الآخر للعقد الاجتماعي، ودون تلك الآلية لا يستطيع أحد تغيير الدستور، وفي هذا الإجراء حماية للأسرة الحاكمة من جهة وحماية للشعب الكويتي من جهة أخرى، فلا يستطيع أي طرف من طرفي العقد التفرد بتعديل الدستور دون موافقة الطرف الآخر، وإلا اعتبر الأمر انقلابا.
عندما حل مجلس الأمة مرتين، وعلقت بعض مواد الدستور، وأوقفت الحياة البرلمانية، كان ذلك انقلابا من الحكومة على الدستور وعلى نظام البلد، ووجهت الكثير من الانتقادات للمعنيين في ذلك الوقت على ذلك الانقلاب على الدستور وعلى نظام الحكم، واليوم نقول الشيء نفسه إذا كان هناك من يريد تعديل الدستور من طرف واحد، دون موافقة الطرف الآخر، وهو الأسرة الحاكمة، فهذا أيضا انقلاب على الدستور ولن نسمح به، رغم أنني من أول من طالبوا بالحكومة الشعبية والهيئات السياسية، لكن هناك فرقا كبيرا بين سلوك الإجراءات الدستورية وبين الانقلاب على الدستور.
قضية الدوائر الانتخابية ليست ضمن الإطار الدستوري، فهي تخص قانون الانتخاب، وحتى معايير المرشح تتعلق أيضا بقانون الانتخاب، وكل ما يرتبط بالعملية الانتخابية يتعلق بقانون الانتخاب، ويستطيع سمو الأمير حسب النص الدستوري أن يستخدم المادة 71 من الدستور لتعديل تلك القوانين، وقد سبق أن استخدمت تلك المادة لتعديل الدوائر، وأسبغ عليها النواب الشرعية كاملة في مجلس 1981 وليس الأمر جديدا، ولو اعترض النواب في ذلك الوقت على المرسوم وأسقط لما كان هناك مثل هذا العرف حاليا.
بقي رئيس الوزراء الشعبي، وهو أمر مختلف تماما عن الحكومة الشعبية أو البرلمانية أو رئيس الوزراء المنتخب، فهو أمر يخص سمو الأمير ويستطيع سموه أن يعين من يريد في هذا المنصب، سواء من داخل الأسرة الحاكمة، أو من خارجها، والأمر ذاته ينطبق على وزارات السيادة، وبرأيي فإن هذا التوجه يمكن حله بالتفاهم والتوافق في ما بين سمو الأمير والقوى السياسية والاجتماعية، وليس الأمر صعبا في التوصل إلى تفاهم حوله، إذا ما كانت هناك فرصة للخوض في تفاصيله.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق