هناك إجماع واضح لدى خبراء الشأن الانتخابي في الولايات المتحدة، على أن الانتخابات التمهيدية بنيويورك في الـ19 من الشهر الجاري، هي الأهم في تاريخ الولاية منذ عقود، ليس فقط بسبب الوزن الانتخابي الذي تمثله، ولا لكون المنافسة محتدمة بين المرشحين، مع عودة الديموقراطي بارني ساندرز والجمهوري تيد كروز إلى الواجهة خلال الأسابيع الماضية.
ومن أوجه إيلاء الأهمية لانتخابات نيويورك التمهيدية، تقديمها على غير العادة عن موعدها التقليدي، لتصادف مرحلة في غاية الدقة والحساسية لكل المرشحين.
أبناء الولاية
ومما يعطي لمعركة نيويورك طابعا استثنائيا، مشاركة ثلاثة مرشحين يعتبرون بشكل أو بآخر من أبناء الولاية، فهيلاري كلينون تقيم منذ أكثر من عقدين في نيويورك، وكانت منتخبة وممثلة للولاية في مجلس الشيوخ الأميركي منذ 2000.
أما غريم كلينتون، بارني ساندرز فهو من مواليد بروكلن، وقد عاش هناك حتى الثامنة عشر من عمره، قبل أن يستقر في ولاية فيرمونت التي اختارته ليمثلها في الكونغرس منذ عام 1990.
ويأتي بعد هذين المرشحين، الجمهوري دونالد ترامب ابن حي كوينز الشهير، وأحد ألمع شخصيات المدينة ورموز طبقتها الثرية المتألقة.
صراع غير مسبوق
انتخابات نيويورك تكتسي أهميتها أيضا بسبب طبيعة الصراع غير المسبوق بين المرشحين، فالظاهرة ساندرز رجل فاجأ الجميع وهو في الـ74 من العمر بخطاب ليبرالي غير تقليدي، جعل الشباب وطلاب الجامعات يلتفون حوله بحماس لا يضاهى، بل إن آخر استطلاعات الرأي تؤكد أنه الشخصية الأكثر إثارة للإعجاب لدى الأميركيين.
ويجعل الزخم الذي يحيط بساندرز معركته في نيويورك مع هيلاري كلينتون مواجهة مفتوحة بين من يسمون أنفسهم الليبراليين المعتدلين وخصومهم الأكثر راديكالية ممن يعادون سياسات وول ستريت وينتقدون الفجوة المتسعة بين أثرياء أميركا وفقرائها.
وفي الطرف المقابل، صدام آخر بين ثلاثة أقطاب؛ دونالد ترامب ذو الخطاب المتناقض المثير، وتيد كروز المحافظ الصارم الذي يجد نفسه غريبا في نيويورك ويعبر أكثر عن ثقافة الجمهوريين في ولايات جنوب البلاد، وجون كازيتش الذي تضعه الاستطلاعات وراء ترامب لقربه من الجناح الجمهوري المعتدل الذي يجد له أتباعا في بعض المقاطعات الداخلية للولاية.
مقتضيات التنوع
ولأن نيويورك هي أكثر الولايات الأميركية تنوعا على الصعيد العرقي والثقافي والديني، وأبرز مراكز التحصيل الأكاديمي وأكبر أسواق المال والاقتصاد، فإن الحوار السياسي فيها يتنوع ويتشعب وينزل إلى الشارع بشكل نادرا ما يحدث في ولايات أخرى.
الجانب المهم الآخر في انتخابات نيويورك هذا العام، هو التعديلات التي تم إدخالها على العملية الانتخابية، اذ اعتمد الجمهوريون نظاما جديدا لاختيار المندوبين، فمن مجموع 95 مندوبا للولاية، هناك ثلاثة مندوبين عن 27 دائرة انتخابية، سيتم توزيعهم بناء على الأصوات التي يدلي بها الناخبون.
وسيحصد المرشحون الذين يحصلون على أكثر من 50 في المئة من الأصوات في كل دائرة انتخابية جميع المندوبين الثلاثة، أما إذا حصل الفائز على أقل من 50 في المئة من الأصوات، ولكن أكثر من 20 في المئة، فسيحصل فقط على اثنين من المندوبين وسيعطى المندوب الثالث لصاحب المركز الثاني في الدائرة.
الأمور المذكورة تعقد الحسابات والرهانات، خاصة وأن النسبة المتبقية سيتم منحها من خلال المنتخبين المحليين والشخصيات الحزبية في نيويورك.
عقبات أمام الحمار الديمقراطي
أما بخصوص الحزب الديموقراطي، فالعملية أكثر تعقيدا، اذ هناك 291 مندوبا ديمقراطيا سيتم منح 247 منهم بناء على الأصوات التي يدلي بها أعضاء الحزب المسجلين في 27 مقاطعة، إضافة إلى أصوات ممثلي مؤتمر الحزب الوطني وقادته ومنتخبيه المعروفين “بالسوبر ديليغيتس” أي المندوبون الكبار، إلى جانب صوت حاكم الولاية الذي يحق له أيضا الاختيار بين أحد المرشحين.
لكن اللافت هنا أن كبار الناخبين يمكنهم منح أصواتهم لمرشح بعينه ثم التراجع عن قرارهم، إذا كانوا يجدون تعارضا بين خيارهم وخيار الناخبين.
استنادا إلى ما قيل، يصبح موعد نيويورك مثيرا وحاسما على أكثر من صعيد، لاسيما أن أحدث الاستطلاعات على المستوى الوطني تظهر تقاربا متزايدا بين المرشحين ولا تسمح لكلينتون وترامب – الأوفر حظا حتى الآن- بإعلان انتصارهما المبكر، في انتخابات لا زالت تخفي كثيرا من الأسرار والمنعطفات الممكنة.
مراد شبين
قم بكتابة اول تعليق