2016.. هل يكون العام الأخير لـ «داعش»؟

بعد تحقيق مكاسب مذهلة على أرض المعركة خلال عامين، أصبح تنظيم الدولة «داعش» في وضع دفاعي في العراق وسوريا، ففي عام 2015 خسر التنظيم %14 من الأراضي التي كانت تحت سيطرته، وخسر %8 أخرى خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2016، وفقاً لمؤسسة «آي اتش اس جينز 360» للدفاع والأمن والاستخبارات والتحليل الأميركية.
وإذا ما واصل التنظيم فقدان الأرض التي يسيطر عليها بهذا المعدل، فان البعض يعتقد ان 2016 سيكون العام الأخير لداعش، لكن الخبراء يبدون تفاؤلاً حذراً في التعاطي مع هذا التنبؤ الذي يردده صناع القرار في العراق كثيراً.

ظلال «داعش»
جاكوب زين من مؤسسة جيمس تاون الذي يتابع تحركات داعش في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا؛ يقول: «ان داعش قد يعيش لنهاية العام، لكنه سيكون على الارجح مجرد ظلال للتنظيم الذي نعرفه». ويضيف: «أتوقع ان يظل التنظيم قادراً على فرض سيطرته على الموصل والرقة خلال عام 2016، لأن تركيز قوات مكافحة الارهاب على المستويين المحلي والدولي منصب على حل قضايا أخرى مثل محافظة عفرين، حيث تشهد معارك طاحنة، ولكن في وقت قريب وربما في العام المقبل، أتوقع ان تتحالف قوى دولية كثيرة بمن فيها القوات العراقية والسورية لطرد «داعش» من الرقة والموصل، وحينئذ لا اعتقد ان «داعش» سيكون قادراً على الدفاع عن المدنيين».

إعلان سابق لأوانه
واستطرد زين: «ان خسارة هاتين المدينتين ستقود الى انشقاق الكثير من أعضاء التنظيم والالتحاق بتنظيم القاعدة، وسيدركون ان «القاعدة» كان على حق حين تنبأ ان يكون إعلان أبوبكر البغدادي عن إقامة الخلافة، سابق لأوانه قبل ان يمتلك القوة الكافية التي تمكنه من الاحتفاظ بالأراضي التي يسيطر عليها، وقد يخلص المنشقون الى ان نهج تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، التدريجي أكثر فاعلية لإقامة الخلافة الراسخة».
فما الذي تشي به التطورات في الميدان؟ اضطر داعش للانسحاب والتمركز في الرقة ودير الزور باللجوء الى الدفاع المرن للمصادمات الخفيفة؛ بدلاً من خوض المعارك في المدن، وحاول الحفاظ على الأراضي التي يسيطر عليها لأقصى درجة ممكنة، وحاول كسب المزيد من الوقت دون قتال لاعادة تنظيم صفوفه، لكنه وجد نفسه مضطراً لخوض القتال مع وحدات حماية الشعب الكردي والقوات الحكومية في شمال سوريا.
كسر إرادة «التنظيم»
وعلى الرغم من ان «داعش» خسر الغالبية العظمى من عناصره ومن قوته اللوجستية والدعم المالي من بعض دول المنطقة، فلا تزال له قاعدة سنية قوية في سوريا والعراق. وعلى الرغم من الهزائم التي مُني بها أخيراً وخسارة أجزاء واسعة من الاراضي التي يسيطر عليها، فإنه ما زال يُحكم قبضته على مساحة واسعة من الارض في البلدين، ويحكم عدداً كبيراً من السكان يصل الى حوالي 6 ملايين نسمة.
أمّا ما إذا كان «داعش» سيعيش حتى نهاية عام 2016، فإن ذلك يعتمد على الاستراتيجية القتالية التي سيواجهها، وكما يشدد زين من مؤسسة جيمس تاون فإن القضاء على «داعش» يتطلب تحديد المسألة الأكثر حيوية في مكافحة الإرهاب. فهل ستكون الحرب ضد «داعش» خلال الأشهر المقبلة حرباً مباشرة ام غير مباشرة بتجفيف منابع التنظيم وتجريده من الحاضنة السكانية؟ وهل يتم اعتماد فكرة طرد التنظيم من الرقة ودير الزور والموصل بهجوم كاسح والقضاء عليه ام اللجوء الى عزل هذه المدن وفرض حصار شديد عليها بانتظار ان ينأى سكان هذه المدن بأنفسهم عن التنظيم، وبذلك يتم كسر إرادة «داعش» على مواصلة الحرب؟ الاجابة على هذا السؤال لا تزال غير واضحة بانتظار التطورات على الارض.

جَلَد استراتيجي
فإذا ما تم اعتماد الخيار الاول، فإن النتيجة ستكون ايجابية في المدى القصير، ولكن اذا لم نُحسن إدارة عملية اعادة الاعمار والاندماج السياسي، فإن الانتصار على «داعش» لن يجدي نفعاً، ولهذا السبب، فإن تآكل الدعم الشعبي لـ «داعش» على مدى عامين او ثلاثة قد يكون اكثر فاعلية. وعليه؛ فإن السؤال المطروح هو: هل سيكون لدى اللاعبين الرئيسيين ـــ كالولايات المتحدة وروسيا ـــ الجَلَد الاستراتيجي لمثل هذا النهج الطويل الأمد؟!
وهناك أيضاً الخلافات والصراعات المتنامية داخل «داعش»، والتي من أبرزها ما بين التيار الذي يدفع باتجاه نشر الصراع على نطاق عالمي، من أجل التغلّب على الضغوط التي يتعرّض لها التنظيم في سوريا والعراق، وتيار آخر يريد تعزيز قوة التنظيم داخلياً. ومن المتوقّع ان تتسع الهوة بينهما كلما زادت الضغوط الداخلية على «داعش».

تياران
ويمكن تفسير هجوم «داعش» على السياح الألمان في تركيا في الثاني عشر من يناير الماضي، ثم الهجوم الانتحاري ضد سياح إسرائيليين في إسطنبول في التاسع عشر من مارس، كخطوة باتجاه تعزيز نهج التيار الأول، ومن أجل نقل المعركة إلى داخل الأراضي التركية. فهم يريدون نقل رسالة الى تركيا، مفادها أن «إذا وقفتم ضدنا، فسوف تدفعون الثمن». كما يحاول التنظيم ــ كذلك ــ تحويل الأنظار عن العراق وسوريا.
إذاً، قد يكون أمراً مضللاً ان نحكم على نجاح أو فشل «داعش»، على أساس فقدان الأرض، والاستراتيجية المُثلى هي جعل التنظيم يفقد شعبيته في أوساط الناس، أكثر من التركيز على تجريده من الأراضي. وهو الأمر الذي قد يستغرق سنوات. والهدف النهائي لهذه العملية يجب ان يكون إعادة دمج السُّنة في العملية السياسية في كل من العراق وسوريا، أولاً على المستوى المحلي، وثانياً على المستوى الوطني. فهذا ما تنبئنا به تجارب اكثر من عشر سنوات في العراق، وخمس في سوريا.

شبح «داعش»
لهذا السبب قد نواجه في عام 2016 «داعش» وقد فقد بعض قواه كآلة حرب، وتآكل، كتنظيم أشبه بالدولة. وبالمثل، فسوف تفقد قوته الدعائية جزءًا من فعاليتها. لكن شبح «داعش» سيبقى في المنطقة كذهنية، ذلك الشبح الذي قد يجد حياة جديدة في أي وقت في هذا الجزء أو ذاك من العالم الإسلامي، حيث التصدُّعات الدينية والطائفية. وقد يلجأ التنظيم الى القيام بعمليات تخطف الأضواء أيضا، لا سيما في أوروبا أو تركيا، ليعلن للعالم «ما زلنا أقوياء»!
لهذا السبب ليس من الحكمة التنبّؤ بموت «داعش» في وقت قريب. والنهج الأكثر واقعية هو التنبّؤ بصراع، يمتد لسنوات بين المجتمع الدولي و«داعش».
¶ مونيتور ¶

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.