يرفض الكثيرون فكرة النرجسية ويعزونها الى شعور بالإثرة يدفع المرء الى عشق نفسه وتمجيدها ووضعها فوق كل الاعتبارات، أي هي الحالة التي تطفو فيها الأنا على السطح ولا شئ غيرها على الاطلاق. ولكن يبدو ان أغلب من نحب من الفنانين بمختلف مضامير ابداعهم يتميزون بهذه الخصلة، بل ويكونون انجح كلما كانت ميولهم النرجسية اقوى مما لدى غيرهم أو هذا ما توصلت اليه دراسة حديثة أجرتها الباحثة يي زو في جامعة ولاية فلوريدا إذ أظهرت ان التواضع لا ينفع الفنان في تحقيق مكاسب مادية او شهرة وركزت على الرسامين بالتحديد من امثال بيكاسو الذي نقل عنه قوله في احد الايام “الاله فنان مثلي، وأنا الاله، أنا الاله، أنا الاله” كما نُقل عنه قوله لاحدى حبيباته التي ارادت التخلي عنه “لا احد يتخلي عن رجل مثلي” علما أن الدراسة تصف بيكاسو بأنه نرجسي من النوع الكلاسيكي فقط فيما هناك فنانون آخرون يظهرون ميولا اقوى بكثير. تؤكد الباحثة التي نشرت دراستها في جورنال اوف فاينانس الاوروبية أن الفنان كلما كان اكثر نرجسية بيعت اعماله بسعر اعلى في سوق الفن سواء في المزادات ام في الاسواق المفتوحة كما تكالبت المتاحف على اقتناء لوحاته وخصصت له الغاليريهات الفنية جدولا زمنيا مرضيا لعرض نتاجاته، واعتمدت الباحثة في التوصل الى هذه النتائج على المقارنة بين أحجام تواقيع الفنانين ونسبة المبيعات ومدى الشهرة ولاحظت انه كلما كان التوقيع بحجم اكبر مقارنة بحجم اللوحة حصل الفنان على اهتمام من الجمهور ومن خبراء الفن ومن الدارسين وحتى من المؤسسات التي تعنى بالفن. وبالطبع رات زو ان الفنان عندما يوقع اسمه بحيث يكون واضحا جدا فهو دليل قاطع على ميوله النرجسية. ولم تكتف الباحثة بالاعمال المعاصرة والحديثة بل عادت ايضا الى اعمال قديمة اعتمادا على نماذج تواقيع الفنانين كما هي مسجلة في موسوعة اوكسفورد الفنية على الانترنيت. واستخدمت الباحثة ايضا كل ما عثرت عليه من مقابلات ومن اقوال ومن تصريحات نقلت عن فنانين لرصد ما يمكن ان يظهر فيها من اشارات الى ميول نرجسية ومنهم بيكاسو الذي يعتبر نرجسيا اعتياديا والذي سجلت لوحته “نساء الجزائر” أعلى سعر لعمل يباع في مزاد في عام 2015 وكان المبلغ 179 مليون دولار. وتقول البروفسورة يي زو “من الطبيعي ان يعبر فنانون عن حب عظيم لذواتهم وهوس كبير بها ولكن كل هذه الامور هي مؤشرات للنرجسية”. ومن المؤشرات الاخرى التي اعتمدت عليها الباحثة عدا التواقيع والتصريحات، عدد صور البورتريهات التي رسمها الفنان لنفسه ولاحظت ان انحرافا معياريا واحدا نحو الاعلى يرفع من سعر البورتريه الشخصي بنسبة 13% كما إن انحرافا معياريا واحدا نحو الاعلى في استخدام كلمة أنا يرفع السعر ايضا بنسبة 4% ولاحظت ان هناك علاقة قوية جدا بين النرجسية والنجاح في مجال الفن الحديث على وجه الخصوص حيث يؤدي انحراف معياري واحد الى رفع السعر بنسبة 25% غير أنها لاحظت أن هذه الزيادة لا تتجاوز نسبة 13% بالنسبة للفن المعاصر. وقالت الباحثة زو في مقابلة صحفية إن سبب هذا الاختلاف بين الفنين الحديث والمعاصر غير واضح تماما ورأت أنه يستحق دراسة لاحقة ولكنها عزته مبدئيا الى تنوع المعروض حاليا بحيث لا تؤثر لوحات البورتريه او علامات النرجسية كثيرا على الشارين. وتشير الدراسة بالاختصار الى وجود علاقة وثيقة بين الهيمان بالذات والمكاسب المادية التي تحققها اعمال فنان ما وحتى شهرته. وكانت دراسة سابقة أجريت في عام 2013 قد اظهرت ان اصحاب الميول النرجسية يعتبرون انفسهم مبدعين بشكل عام ولذا يمارسون اعمالا تتطلب ابداعا مثل الفن وبنسبة اعلى من الاخرين الذين لا يظهرون ميولا نرجسية. وتذكر الدراسة بأن “الفنانين الذين تظهر عليهم علامات النرجسية اكثر من غيرهم يحصلون على فرص اكثر من غيرهم لعرض اعمالهم في معارض منفردة او حتى مشتركة ولكن بعدد اكبر. وعادة ما تقوم المتاحف والغاليريهات بتخصيص برنامج خاص لهم وحتى الباحثون والخبراء يمنحونهم مكانة اعلى من غيرهم”.
إعداد: ميسون أبو الحب
قم بكتابة اول تعليق