يقال عادة إنها الوظيفة المستحيلة اكثر من اي وظيفة اخرى في العالم، وفي ظل الملفات التي تواجه الامين العام الجديد للامم المتحدة، فإن من السهل التعرف على سر هذه التسمية، فهو سيواجه صراعات دموية ومعاناة انسانية في اجزاء من الشرق الاوسط وافريقيا واوروبا، فضلا عن الارهاب والتطرف اللذين يهددان العالم، واستمرار التمييز ضد المرأة، وصعود مقلق لمشاعر العداء للاجانب، واكثر من 800 مليون شخص حول العالم يحاولون الفرار من الفقر الشديد، واكثر من 60 مليون نازح في مختلف انحاء العالم، وهناك نافذة فريدة لاحتمال التوصل الى حل لمشكلة التغير المناخي وتحقيق اهداف التنمية المستدامة قبل فوات الاوان. واخيراً، سيرث الامين العام الجديد في مطلع العام المقبل منظمة دولية بحاجة الى التأقلم مع التحديات والاهداف الجديدة التي تواجه العالم، فعلى مدى عمرها الممتد إلى سبعين عاماً، اظهرت الامم المتحدة بالرغم من كل النواقص التي تشوب عملها، انها ارتقت الى مستوى التحديات، ولكن لكي نفعل ذلك الأن، فإن عليها ان تختار المرشح الاكثر كفاءة.
اقترح الكثيرون أن المنصب العالمي الارفع يجب ان يكون إما أميناً او عاماً، ولكن هذا تبسيط شديد للمسألة، لان الامين العام يجب ان يجمع بين الصفتين واكثر.
فنحن بحاجة الى شخص يتمتع بالشجاعة الادبية والاستقامة (ولا اعرف لماذا ارى ان هذا المنصب لا يصلح للمرأة) ويجب ان يكون صوتاً للضعفاء ويجسد المثل والاهداف التي قامت من أجلها المنظمة الدولية.
الدبلوماسي الأول في العالم يتعين عليه استخدام استقلاليته وحياديته وخبرته من أجل منع اندلاع النزاعات؛ والتوسط لصنع السلام والدفاع عن حقوق الإنسان.
ان تولي هذا المنصب من قبل شخص ذي قامة سياسية رفيعة ومهارات حيادية قوية ولديه السلطة لطرح أي قضية يرى انها تهدد السلم والأمن الدوليين، من شأنه ان يعزز الدور الايجابي لهذه المنطقة على نطاق عالمي.
فرصة حقيقية
وقد يكون من أولى مهام الأمين العام الجديد، خلق ثقافة الاستقامة والنزاهة والكفاءة والفاعلية داخل أسرة المنظمة الدولية التي تزيد ميزانيتها السنوية على 10 ملايين دولار ويصل عدد موظفيها إلى 40 ألف شخص وتقوم بــ41 مهمة سلمية حول العالم.
يجب ان يكون الأمين العام الجديد شخصاً يتمتع بقدرة عالية من التواصل وإقامة العلاقات مع الأشخاص والمؤسسات، وان يكون قادراً على التنقل بسلاسة بين مكونات هذا العالم المتعدد الاقطاب بشكل متزايد، وان يقود العالم نحو التنمية المستدامة.
لهذا السبب، يعتقد البعض ان عملية اختيار الأمين العام للأمم المتحدة ستكون حامية وشاملة وشفافة الى أقصى درجة ممكنة، ولكن الأمر لا يبدو كذلك حتى اللحظة. في الماضي، لم يكن ثمة وضوح حول متى تبدأ عملية اختيار الأمين العام بالضبط، بل ان أحداً لم يكن يعرف هوية المرشح أو المرشحين لهذا المنصب، كما انه لم تكن هناك مهمة رسمية محددة، ولم تكن هناك فرصة حقيقية للتواصل المفتوح مع المرشحين، سواء من مندوبي الدول الأعضاء في المنظمة الدولية أو الجمهور.
أسير القوى العظمى
وكانت النتيجة ان تتم مشاورات بين الدول الأعضاء الخمس الكبرى خلف أبواب مغلقة، لقد تولى المنظمة ثمانية أمناء عامون حتى الآن، ولم يكن أي منهم مرشحا رسمياً لهذا المنصب، بل كانت العملية أشبه بالتعيين، لا الانتخاب، ولهذا السبب، كان الأمين العام دائماً، أسيراً لرغبات وسياسات القوى التي دعمته للوصول الى هذا المنصب.
ميثاق الأمم المتحدة واضح في ما يتعلّق بدور مجلس الأمن والجمعية العمومية في عملية اختيار وتعيين الأمين العام ويجب الالتزام بذلك، ولكن التغيرات التي طرأت على العملية نفسها، والتي وافقت عليها كل الدول الــ193 الأعضاء في المنطقة، توفر فرصة حقيقية لجعل عملية الانتخاب هذه أكثر حيوية وأكثر شفافية وأكثر شمولية. وبالتالي، أكثر فاعلية.
وفي ظل هيمنة الرجال على هذا المنصب طوال العقود السبعة الماضية، فقد حثّت الأمانة العامة ورئاسة مجلس الأمن، الدول الأعضاء على ترشيح نساء لهذا المنصب، إضافة إلى الرجال، وقد تقدم حتى الآن سبعة مرشحين ومرشحات ويتوقع من كل مرشح أن يقدم بياناً برؤيته للتحديات والفرص التي تواجهها المنظمة الدولية على مدى السنوات الخمس المقبلة، وستتاح الفرصة لكل مرشح لمخاطبة أعضاء الأمم المتحدة ساعتين والإجابة عن الأسئلة على الهواء مباشرة.
ومن ثم يقدم مجلس الأمن توصياته بشأن المرشح الأفضل.
ولادة معايير جديدة
وبطبيعة الحال، فإن هذه التحديثات في آلية اختيار الأمين العام لن تغير عالمنا على الفور، بل إنه ما زالت ثمة مناقشات حول قضايا مثل طول ولاية الأمين العام وتجديدها من عدمه، وما إذا كان ينبغي للجمعية العمومية التصويت عليه أم لا.
ولكن ذلك يحمل في طياته آفاق ولادة معايير جديدة من الشفافية والشمولية في الشؤون الدولية. ومن شأن ذلك زيادة فرصنا في ضمان نجاح المرشح الأفضل لمنصب الأمين العام. كما أن ذلك يمثل فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار والفاعلية للجمعية العمومية التي تعتبر الهيئة الدولية الأكثر تمثيلاً والأكثر ديموقراطية في اتخاذ القرار.
وعلى ضوء التحدي الكوني الذي نواجهه جميعاً اليوم، ربما تكون هذه فرصة لا تعوّض لتغيير قواعد اللعبة، بما يخدم المنظمة الدولية وأمن وسلامة العالم.
قم بكتابة اول تعليق