معارضات تحوّلن إلى أيقونات بفضل الإنترنت

تناضل العديد من النساء في العالم من اجل ان تحظى المرأة بحياة كريمة تحفظ أنوثتها وحقوقها، فالبعض منهن يناضلن ضد العنف والتمييز بين الجنسين، واخريات ضد الاتجار بالنساء، لكن بفضل الشبكة العنكبوتية، تحول بعضهن الى ايقونات ومفخرة لبنات جيلهن في اوطانهن.

أصبحت يونمي بارك هذه الطالبة الجامعية الهادئة صوت المعارضة الكورية الشمالية، بعد أن نشرت في باريس كتابها «أردت أن اعيش فقط» الصادر عن منشورات كيرو. ويونمي التي تدرس اليوم القانون في جامعة كولومبيا في منهاتن، بذلت عدة مجهودات لدراسة اللغة الانكليزية وتحسين لكنتها. وقالت لصحيفة لوفيغارو خلال زيارتها لباريس «قبل بضع سنوات حين كنت في كوريا الشمالية، اعجبت كثيرا بفيلم هوليوودي، وقد نجحت في رؤية فيلم تايتانيك واكتشفت خلاله قصة الحب تلك. عندنا في كوريا الشمالية، لم تكن هناك اية قصة حب، ولا مجال لاي تعبير عن الحب او استخدام لالفاظ المحبة الا للدكتاتور».
ويروي كتاب يونمي قصة هروبها وتحولها الى متحدثة باسم حوالي 30 الف كوري شمالي نجحوا في مغادرة بلادهم. وتقول يونمي ان الشرطة الكورية الجنوبية لا تقصر في حمايتها كلما قررت زيارة سيئول لرؤية عائلتها التي بقيت هناك، لكنها لا تحتاج الى حماية في باريس لان اتباع كيم جونغ أون لن يذهبوا الى هناك.
تدور معركة الكترونية طاحنة بين الناشطة يونمي بارك وآلة الدعاية الكورية الشمالية، من بين أدواتها حملة تحت شعار «مفتاح يو أس بي من أجل الحرية» وهو شكل من أشكال الملفات الرقمية التي تقترح تحميل الافلام والموسيقى من كل العالم لارسالها الى كوريا الشمالية، وبعبارة اخرى تشبه هذه الحملة إذاعة حرة تخترق امواج بثها كل اراضي كوريا الشمالية. وفي هذا الشأن تقول يونمي «لسنا في حاجة لأن نقول لهم إننا الافضل، ولكن يكفي ان نبين لهم كيف نعيش».
30 في المئة من وقتي للحديث عن كوريا الشمالية

وجدت يونمي بارك صعوبة بالغة في البداية للتعبير عن رأيها علنا «لقد كنت خائفة من عائلتي، ولم أرغب في طي الصفحة والتفكير في شيء آخر والتركير على حياتي الجديدة ووظيفتي المستقبلية، لان الكوريين الشماليين يعتقدون اننا جواسيس خطرون وتنقصنا التربية ويخشون من ان نأخذ منهم وظائفهم».
بعد سلسلة ندوات ناجحة، واصدار كتاب لاقى رواجا منقطع النظير، واجهت الفتاة عدة حملات على الشبكة العنكبوتية سعى من خلالها النظام الكوري الشمالي إلى تشويه سمعتها، في محاولة الى ضرب مصداقيتها لدى العامة، ورغم ذلك قررت الاستمرار في المشاركة في الندوات واجراء مقابلات صحافية «انا أخصص 30 في المئة من وقتي لتقديم شهادات حية عن بلادي»، لكنها لا تستطيع الذهاب الى ابعد من ذلك، ولا مجال امامها لخوض غمار حرب غير سياسية.
رفض هذه الطالبة ومقاومتها لعمليات التضليل الإعلامي التي يقودها النظام الكوري الشمالي ساهم في ولادة موجة جديدة من المعارضة، أوجدت لها مؤيدين في كل العالم. وفي هذا الأسبوع أيضا تزور المكسيكية غزيتلالي ميراندا باريس، في أول رحلة لها خارج بلادها، التي أفسدها تجار المخدرات. وتعد غزيتلالي واحدة من الشخصيات التي رصدها الفيلسوف والصحافي الفرنسي ميشال أيلتشانينوف، الذي أصدر مؤخرا مؤلفه الجديد «المعارضون الجدد» عن دار ستوك.
ووفق إحصاءات هذا الكتاب، فإن من يصنع موجة المعارضة الجديدة، التي تشهد تنامياً في العالم، هو وجوه نسائية. ففي كوريا الشمالية %80 ممن فروا من جحيم الدكتاتور كانوا من النساء وفق يونمي بارك. أما في الصين، فيتم الاحتفاظ بالمعارضات، بسبب تراجع أعداد النساء في البلاد، فيما يتم إعدام المعارضين الذكور.
جيل جديد.. وفكر جديد

وفي العالمين العربي والإسلامي هناك العديد من المعارضات، من بينهن ريحان في إيران، التي اشتهرت بسبب كليب «هابي»، الذي يظهر صديقات يرقصن من دون حجاب على سطح أحد منازل طهران، والصحافية المصرية منى الطحاوي، التي تعيش في القاهرة من دون وضع الحجاب، أو سمر يزبك، هذه العلوية السورية المعارضة لنظام الأسد وعصبته.
حين سألت صحيفة لوفيغارو هؤلاء النسوة عن مرجعيتهن، فأجبن جميعهن أون سان سو تشي، زعيمة المعارضة البورمية الحائزة جائزة نوبل للسلام، وهذه المناضلة منذ عقود مثلها مثل نيلسون مانديلا، هي كريمة بطل استقلال بورما، وقد ورثت عنه الكثير من افكار التحرر. ولقد اختارت اون سان سو تشي ان تقف ضد الطغمة العسكرية في بلادها منذ 1988، ومنذ ذلك الحين بدأت اطول مسيرة تجاه السلطة، تشبه الى حد كبير مسيرة مانديلا.
مانديلا بورما

ومن بين النماذج النسوية التي اشتهرت في العالم، تذكر يومني بارك اسم ملالا يوسف زاي، هذه الفتاة الباكستانية التي وقفت ضد العنف الذي تمارسه طالبان ضد الطالبات، مما سمح بحصولها على جائزة ساخاروف عقب نجاتها من محاولة اغتيال.
وقد لجأت هؤلاء النسوة إلى المعارضة للتعبير عن رغبتهن في حياة كريمة، لكنهن على خلاف أجيال سابقة وحيدات، ومن جيل لا علاقة له بالسياسة، وعن ذلك يقول ميشال أيلتشانينوف «إنهن نسوة يستخدمن كفاءاتهن لخدمة قضية مع الكثير من البراغماتية، ولا يرغبن فقط في أن يتحولن إلى قرابين أو بطلات، وإنما يرغبن في ملامسة الواقع، بما في ذلك التعاون أحياناً مع المنظمات المحلية».
وإلى جانب النضال من أجل حقوق الإنسان، والنشاط المهني الذي يأخذ معظم وقتهن، يقول ميشال أيلتشانينوف الذي يرأس أيضا تحرير مجلة «فيلوسوفي مغازين»: «لقد تمكنت هؤلاء الناشطات من ابتكار أدوات جديدة مثل ريهان، هذه الإيرانية التي أصبحت مشهورة منذ أن صورت فيديو على أسطح مدينتها، انها فتاة لا تملك مشروعاً سياسياً، وإنما هذه هي طريقتها لرفض نظام الملالي وشرطة الآداب التي تلاحقها، لأنها لا ترتدي الحجاب».
ومثل السابق، لا يميل المعارضون الجدد للعنف، لأنهم يرفضون المعارضة المسلحة، ولا يحبون الانضواء تحت لواء الأحزاب، ذلك أن معارضتهم في الحاضر تعتمد على العمل المفتوح، وهذا ما يعرضهم وفق ميشال أيلتشانينوف إلى القمع.
وهذه هي حالة غزيتالي ميراندا المختصة في التوجيه المدرسي، في مدينتها إيغوالا في جنوب غرب المكسيك. لقد انقلبت حياة هذه الشابة رأسا على عقب بعد اختفاء 43 طالبا من مدرسة في مدينتها إيغوالا بعد ان اختطفهم تجار مخدرات. وعن هذه القصة تقول: «سمعنا أنهم ماتوا، لكننا لم نفهم شيئا، وحين رأينا حفرا عميقة في الجبال واكتشفنا الهياكل العظمية، فهمنا كل شيء أخيرا».
لقد تعهدت بدعم العائلات التي فقدت الكثير من اقاربها، اما اهدافها فبسيطة للغاية، «في السابق كانت هناك صراعات سياسية تقليدية وحروب اهلية طاحنة، لكن اليوم انتقل العنف الى حياتنا اليومية، وأريد فقط دعم العائلات ومساعدتها لتتحرك الدولة بشكل افضل من اجل ان يأخذ القانون مجراه ويحاكم المتورطين».
صمت القضاء المكسيكي

انتهى زمن النضال المسلح من أجل التمرد الثوري والتغيير العام للمجتمع، ففي المكسيك العلاقة بين السياسيين وتجار المخدرات مثل علاقة الأرض بالماء، ويقول الشاعر جافييه سيسيليا الذي فقد نجله ايضا، في كتاب ميشال أيلتشانينوف: «إن المكسيكيين لا يعرفون أين تنتهي السياسة وأين تبدأ الجريمة لأن الجميع فاسدون».
وتقول غزيتالي ميراندا: «ان العدالة معطلة في المكسيك» وتضيف: «يتكفل فقط أربعة قضاة بالتحقيقات بينما مجموع المفقودين يقترب من 27 الف مفقود». ويبرز الهم النسائي في كلامها أيضا حين تقول: «85 في المئة من النساء اللواتي فقدن اطفالهن جندن أنفسهن من أجل هذه القضية».
بعض المعارضات يفضلن العمل محليا ونشاطاتهن متواضعة، لكن اخريات يواجهن بوضوح وتقول يونمي بارك: «إن الفيسبوك اصبح ذا فائدة، لكن الجانب السيىء فيه دفع الناس للحديث عن قضية ما فقط، والدعوة الى النقر على رابط معين للتوقيع على عريضة ما».
وتعتقد المعارضة الكورية الشمالية ان طريق تحرير بلادها لايزال طويلا جدا، ولا ترى وحدة قريبة بين الكوريتين لان الانفصال بينهما كان اشد من الانفصال الذي وقع بين الالمانيتين.
تبدو اصوات هؤلاء المعارضين من دون صدى قبالة الطغاة الجدد، ففي بورما، التي تعيش في خضم الانتقال السياسي، كم شهدنا من انظمة ديكتاتورية، وفي تركيا، التي تحافظ على رابط رسمي مع الديموقراطية وروسيا والصين؟
لاتزال فكرة قيام ديموقراطية عالمية تسكن الكثيرين، لكنها فكرة هشة، ويعتقد ميشال أيلتشانينوف أن عودة الديكتاتورية تحفز المعارضة التي تعاود الظهور في مجتمعات لم تذق طعم الديموقراطية بعد.
من يقرأ كتاب ميشال أيلتشانينوف الجديد ومؤلف يونمي بارك، يدرك ان المعارضة الجديدة بمختلف الوانها، ابرز وجوهها من النساء، وقد تمكنت من التقاط انفاسها بعد ان اعتقد الكثيرون ان جيل الاجداد تحدث في كل شيء.

■ لوفيغارو ■

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.