خالد الجنفاوي: “عَقْلٌ مُسْتَبِدْ” يتحدث عن الديمقراطية

أعتقد أنه ثمة مفارقة متناقضة (Anachronism) ومأزق تفكيري حقيقي عندما يتحدث العقل المستبد عن الديمقراطية! فالتفكير الشخصي الاستبدادي (Tyrannical) نشأ وتربى في بيئة نفسية تمقت الرأي الآخر وتحتقر التنوع والتعددية الفكرية: فكيف بالعقل المستبد أن يمارس ديمقراطية بناءة أو أن يطور من الخيارات الديمقراطية في بيئته المحلية, وأغلب ما يمارسه هذا النوع من الأشخاص الاستبداديين يتعارض مع أبسط قواعد النهج الديمقراطي ويتناقض بشكل سافر مع حرية الاختيار وحرية التفكير?! بل وكيف للعقل المستبد أن يقبل بحتمية الاختلاف وأحقية الناس الآخرين في إعتناق آراء مختلفة, وهو يعمل 24 ساعة في اليوم وطوال أيام الأسبوع على تكريس سلوكيات وتصرفات شخصانية تهدف بشكل أو بآخر لإلغاء “الآخر” تماماً !
فإضافة لإنتفاء أهمية الرأي الآخر المخالف في الذهنية الاستبدادية, ترفض هذه العقليات الجامدة أبسط فرضيات التفكير الديمقراطي: التعددية.(Pluralism) فالتعددية والتنوع الإنساني وأحقية الأفراد الآخرين في اعتناق وجهات نظر مختلفة لا يعتبرها العقل المستبد لأنها تشكل تهديداً مباشراً لضيق أفقه ومقته الراسخ للحريات الشخصية. فالعقل المستبد يمكن أن يستخدم المصطلحات الديمقراطية بل ويقلد الرطن الديمقراطي النمطي فقط من أجل تحقيق غاياته وأهدافه الشخصية: سيطرته على الرأي العام في مجتمعه وتضييق الخناق على كل من يفضح تناقضه وفبركته وزيف ما يدعي!
لا إبداع ولا حضارة ولا تقدم ولا تطور فكري أو اجتماعي, بل ولا تطور إنساني طبيعي مع وجود عقول مستبدة تحنق وتتضايق من حتمية التطور الطبيعي للحياة الإنسانية. فبالنسبة للعقل المستبد: ليس للآخرين الحق بالتطور والتقدم أو إمكانية ربط آمالهم وتطلعاتهم الإيجابية مع ما يمكن لهم أن يحققوه في مجتمعاتهم الوطنية: فبالنسبة للعقل المستبد هو فقط من يملك “الحقيقة” وما يهذر به الآخرون وما يتطلعون لتحقيقه لا شرعية له ولا قبول: لأنه ببساطة شديدة يأتي عكس شخصانية وضيق أفق العقل المستبد.
يوجد في كل عقل إنساني نماذج فكرية ثابتة لا تتغير بسهولة وتسيطر على عملية التفكير, ويستخدم المختصين مصطلح “سكيماتا” لوصف هذه المخططات والنماذج الفكرية المثيرة للاهتمام, ويمكن وصفها أيضا بتلك النماذج الأولية التي تنشأ الأساطير الأساسية أو “الأركيتايبس” والتي تشكل طريقة التفكير والتصورات العامة في أي ثقافة إنسانية. وهى عادة تحدد مصير التطورات المختلفة في المجتمع الإنساني وتحكم مدى تقبله للتغيير. سكيماتا “العقل المستبد” عنوانها الرئيس وديدنها الثابت: رفض التعددية, ومقت كل ما هو مختلف وكل ما هو ديمقراطي حقيقي وفعلي.

* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.