ألف مواطن طلقوا بـ«سلام» في 2016

في الوقت الذي تكشف لنا المحاكم واقعاً مؤسفاً لنزاعات أسرية، وما ينتج عنها من فجور في الخصومة، واستخدام التحايل، والتسبب في تشتت الأبناء، ونشر الفضائح، إلا ان هناك واقعاً اخر لمواطنين ينضح بالرقي وسمو الأخلاق، ويدلل على منابع المبادئ والقيم.
لقد اعتاد الناس على تداول وسماع مشاكل الأسر التي تئن داخل جدران قاعات المحاكم، وما تتركه بعض قضايا الطلاق وتحولها من «نفقات – حضانة» إلى ضرب في بعض الأحيان، فتنتقل من قاعات الأحوال الشخصية إلى قاعات الجنايات، وتتطور إلى جرائم بدلاً من مطالبات!

الوجه المشرق
الوجه المشرق للبعض ممن يقررون الانفصال ويؤمنون بأن الحياة تفاهم، وانها مرحلة قد يُكتب لها النجاح أو عدم الاستمرار، اتضح أنها ليست ببسيطة، حيث اتضح من واقع إحصائية المحاكم لعام 2016 ان هناك ما يقارب 1000 مواطن ممن قرروا الانفصال، لكنهم لم يرفعوا قضايا.
ليس ذلك فقط، بل انهم تبادلوا الهدايا التي تعبر عن احترامهم لـ«العشرة» وقدسية الأيام التي قضوها معا، وللأبناء الذين سيظلون منتمين لهما رغم افتراقهما.
صحيفة محلية رصدت هذه القضايا لمواطنين أثبتوا فعلاً ان الطلاق ليس نهاية الحياة، بل هو احترام بالبعد لعقول لم تتفق بالأفكار، لكنها ستظل متفقة في احترام بعضها، وان ما تم هو رحلة «شراكة» لم يكتب لها النجاح، لكن كُتب لها الأدب، حتى انهم في قرار البعد كانوا أنقياء، فهناك مواطنون يقدمون الهدايا لزوجاتهم والورد، لأنهم أمضوا معهن سنوات «مقدسة»، ولأنهم يحترمون قرارات الطرف الاخر بالبعد، وسيظلون دائماً أصدقاء لبعض، ووالدين لأبنائهم.
ليسوا أعداءنا!
واقع المحاكم الكويتية يكشف ان هناك أزواجاً استمرت حياتهم، لكن أبناءهم ضاعوا، وهناك من قرر الانفصال، لكنهم لم يبتعدوا عن أبنائهم لحظة واحدة، حتى انهم يقفون أمام القاضي في موقف بطولي ويطالبون بزيادة النفقة عليهم، لأن من سيُنفق عليهم هم أبناؤهم وفلذات أكبادهم وليسوا أعداءهم حتى يطالبوا بخفض النفقة.
في إحدى القصص التي تكشف الوجه المشرق لحضارة بعض المواطنين، حضرت إحدى المواطنات لطلب الطلاق من المحكمة بعد أن طلبته من زوجها لكنه لم ينفذه، وبعد إعلان الزوج، حضر ووقف مذهولاً امام القاضي، واكد انه لم يتصور أن تصل الأمور للمحاكم، وكان يرفض طلبها لأنه لم يفكر يوما أن يعيش دون زوجته التي أحبها كثيراً.
الزوج نظر إلى زوجته أمام منصة القاضي، فقال: لها ما أرادت، وما تريد بعد الطلاق، فالأبناء هي أمهم وأنا أبوهم، وأينما كانوا سأصرف عليهم، وأي حكم بالنفقة سأطالب بزيادته، فليس أمامي إلا اتباع قوله تعالى «تسريحٌ بإحسان»، واتمنى لها حياة سعيدة، وان يعوضها الله خيراً.

بيت العمر
قضية أخرى بعد رفعها من الزوجة، حضر الزوج أمام المحكمة وأعلن عن تنازله بمنزله بالكامل لزوجته وأبنائه، وأنه سيسكن في منزل اخر، ولا يندم على هذا القرار، لأن طليقته ستبقى أماً لأبنائه، وإن انتهت العلاقة، فلم ولن ينتهي حبهما.
وهناك الكثير من الحالات تأتي للمحاكم وبالتحديد لإدارة التوثيقات الشرعية، ويكون الزوج وزوجته حاضرين لإعلان الطلاق، وتتم الأمور بروح جميلة، وتنتهي بعد استلام «الانفصال» بكلمة: الله معاكم، وديروا بالكم على نفسكم.

القاضي يهنئ الخصم
في إحدى القضايا المرفوعة من الزوجة، حضر أمام القاضي الزوج، وكان متوقعاً أن يدافع عن نفسه، ويطلب من القاضي عدم تحميله ما لا طاقة له به من مبالغ مالية، لكنه حضر وقدم «شهادة راتبه» وقال: سيدي القاضي، هذا راتبي الذي أتقاضاه، وما تراه احكم به لو تحصل عليه طليقتي بالكامل، فليس لدي مانع، فهي أم أبنائي بنهاية الأمر ولا أريد أن يحتاجوا لغير أبيهم، فابتسم القاضي وهنأ الطليق على رجولته.

«طمطمة» سبب الطلاق
يحكي احد الأزواج قضية طلاقه لأحد المحامين: رأت محادثتي مع زميلة لي في العمل، وكان فيها نوع من الحب الذي يفترض أن يقال للزوجة، فقالت لي: سأذهب إلى بيت أهلي وأطلب الطلاق، وأنت إذا سألك والدي، قُل له بأننا لم نتفق ولم نستطع إكمال الحياة بيننا، ولن أحكي السبب، ويشهد الله لو كان قلبي يتحمل لبقيت معك، لكنني أعتذر.
وبالفعل تم الطلاق، والمشكلة الأكبر أنها تنازلت عن جميع حقوقها، ولم ترفع ضدي قضية، لكنني سأعطيها كامل حقوقها لوالدها ولن أتركها بهذه الحال.

خرجت من ذمتي
أحد الحاضرين في المحكمة يقول: سألت ابني عن سبب المشاكل التي تحدث دائماً مع زوجته، ولم يوضح لي السبب، وفي كل مرة يقول انها ستُحل، وبعد الطلاق سألته عن السبب: وقال لي «خرجت من ذمتي يا أبي ولا أريد التحدث عن السبب»، ويضيف الأب: طالما ان ابني يستخدم هذا الأسلوب، فلن أسأله مرة أخرى، لأن الله لا يمنح هذا الهدوء إلا لمن ينير دربه.

نماذج راقية في المحاكم
بالرغم من ان النماذج الراقية للأشخاص الذين يخرجون من حياة أزواجهم دون ان يتركوا ألماً أو يحدثوا أذى هي قليلة بالنسبة لإجمالي قضايا الطلاق، إلا أنها نماذج تُسعد من يطلع عليها من قضاة ومحامون وذوو الطرفين، نظراً لما تحمله من مبادىء وإنسانية وقيم.

مبارك حبيب
القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.