عبدالمجيد الشطي: مكمن الأزمة هيمنة الدولة على الاقتصاد

من الصعوبة التكهن في طول او قصر الأزمة لتبعثر وتشابك الخيوط محليا واقليما وعالميا. لكي تزول الازمة لا بد من مواجهتها وحلها عن طريق سياسات نقدية ومالية وإجراءات توسعية، يتم تنفيذها عبر برنامج محدد الزمن والاهداف. فالسؤال هو من قام أو سيقوم بذلك ويأخذ في زمام المبادرة؟ الحكومة مشغولة مع نفسها، ومجلس الامة مشغول في قضايا اخرى، والقطاع الخاص يحاول ان يحافظ على ما تبقى لديه وينتظر الفرج الحكومي. والبنوك متحفظة ومتشددة في الاقراض بالرغم من التخمة في حجم الايداعات وكفاية رأس المال. كبار مساهمي الشركات تركوا شركاتهم الا ما ندر، وصغار المساهمين تبعثرت مدخراتهم. الجهة الوحيدة التي بادرت هي البنك المركزي عبر عدد من الاجراءات، مثل قانون الاستقرار، ولكنها لم تكن كافية من دون سياسة مالية توسعية.
ففي الدول الاخرى، هناك اهتمام على شتى المستويات لمواجهة وحل الازمة ودعم النمو الاقتصادي. وهنا حتى التصريح الايجابي من مسؤول حكومي اصبح اتهاما ومادة للاستجواب، مثل ما حصل مع مصطفى الشمالي. على سبيل المثال اتخذت الولايات المتحدة اكثر من 15 اجراء مختلفا منذ نشوب الازمة، مثل شراء الاصول ودعم رسملة المصارف واعادة هيكلة الديون أو ضمانها وغير ذلك، وبلغت كلفتها 182 مليار دولار، وبعد فترة استردت معظم ما صرفت مع تحقيق عائد مجزٍ. أما نحن فكم صرفنا هنا لحل الأزمة مقارنة في حجم الازمة والناتج المحلي الاجمالي؟
ويكمن منبع الأزمة في هيكل وفلسفة الاقتصاد المحلي وضعف القاعدة الانتاجية، وارتفاع مستوى الدخل الحكومي والدور المهيمن للدولة، وبالتالي قلة وتنوع الفرص الاستثمارية. الازمة ساهم في خلقها الجميع: حكومة وقطاع خاص وبنوك وبعض كبار المساهمين وإدارات الشركات ومكاتب التدقيق والجهات الرقابية والصحافة. بدأت بسبب «التوسع الائتماني» وتجميل الميزانيات وغياب القراءة السليمة للاوضاع ومستمرة بسبب غياب الادارة «إدارة الازمات» من قبل كل الاطراف وعدم مواجهة جذورها.
وبسبب غياب القوانين التي لا تسهل التعامل مع الشركات المتعثرة، فان السوق فيه كثير من الشركات المدرجة التى يتداول سعر السوقي بأسعار أقل من قيمها الاسمية، ومن المفترض ان تستعجل الحكومة لسن ما يلزم من تشريعات وقوانين للتعامل مع هذه الشركات. ومن المفترض أيضا أن البنوك قد جنبت الكثير من المخصصات ولديها كفاية رأ سمال عالية، لذا فإن عليها ان تساهم في حل اوضاع بعض الشركات المتعثرة، التي من الممكن استمراريتها. فمن صالح الجميع ان يكون لدينا سوق صحي ونظيف وقوي يتمتع بالسيولة العالية.
ـ هناك تشابه بين الأزمة الحالية وأزمة المناخ، ويكمن ذلك في اسلوب تعاملنا مع الازمة، بأن الزمن كفيل في حل المشكلة. وبالطبع فإن هيكل الاقتصاد وغياب الرؤية الاقتصادية والاجراءات الحكومية السليمة والاستقرار السياسي وعدم تعاون الاطراف أسباب رئيسة في استمرار الازمة، وربما حصول ازمات اقتصادية او مالية مستقبلية.

عبدالمجيد الشطي
الرئيس السابق لاتحاد مصارف الكويت
المصدر جردية القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.