الشال: استمرار تعيينات البراشوت وترقية أصحاب الشهادات المضروبة

ذكر تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي أن وزيرة الاقتصاد قدمت خلال مؤتمر الكويت للاستثمار عرضا جاء نتاج جهد 50 جهة حكومية هدفه ردم الخلل الهيكلي الإنتاجي، بمعنى زيادة مطردة في مساهمة القطاع الخاص في تكوين الناتج المحلي الإجمالي ليتفوق في مساهمته على القطاع العام بحلول عام 2021/2022.
وأضاف التقرير: ذكرت الوزيرة هدفاً رقمياً، وهو في تقديرنا طموح جداً ويصعب تحقيقه، ويتلخص في زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 38 في المئة في عام 2016، إلى 58 في المئة بحلول عام 2021. آليات تحقيق ذلك الهدف تعتمد بشكل رئيسي على الاستثمار الأجنبي المباشر، ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتوسع في برامج الخصخصة. ثم تطرح الوزيرة توجهات لعلاج الخلل الهيكلي في ميزان العمالة بالتزامن مع الخلل الانتاجي جزئياً بخلق وظائف مواطنة في القطاع الخاص وتشجيع ذلك القطاع بمنحه معاملة تفضيلية في الخدمات الحكومية كلما زاد من عمالته المواطنة. وتطرقت للمواءمة ما بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، بمعنى الحد من تخريج التخصصات التي عفا عليها الزمن وفوائضها كبيرة، والبدء بتدريس تخصصات حديثة تتطلبها التطورات في نسف الإنتاج الخدمي والسلعي. واستعرضت رؤى لمراعاة العدالة ما بين الأجر والتخصص في جميع وحدات القطاع العام، وجهود لردم الفجوات ما بين رواتب الوافدين والمواطنين في القطاع الخاص، وضمنها تطرقت إلى الأثر غير المباشر لردم فجوة ميزان العمالة على تعديل التركيبة السكانية.
بإيجاز، تطرقت الوزيرة إلى الاختلالات الاقتصادية الهيكلية الأخرى، الخلل الإنتاجي وخلل ميزان العمالة والخلل في تركيبة السكان، وذكرت بأن الآليات جاهزة في شكل مشاريع وبرامج وسياسات، وكل ما تقدم صحيح وفي حدود المنطق. وقد لا يتحقق هدف زيادة مساهمة القطاع الخاص في تكوين الناتج المحلي الإجمالي بنحو 20 في المئة بحلول عام 2021 ما لم يكن ذلك ناتجاً عن هبوط مساهمة القطاع العام بسبب ظروف سيئة في سوق النفط، ولكن، سيكون في حكم المقبول نصف تلك الزيادة إذا كانت ناتجة عن نمو اقتصادي عام ومرتفع، وعن تفوق النمو الموجب لمساهمة القطاع الخاص على النمو الموجب لمساهمة القطاع العام.
ما يجعلنا متشككين في نجاح تلك الرؤى أمران: الأول، وبعد استثناء وزراء الاختصاص، والوزيرة أحدهم، هو أن صلب الإدارة الحكومية، التي أوصلت البلد إلى هذا الواقع الصعب، والتي تملك سلطة القرار، ما زالت الإدارة نفسها التي أفشلت أهدافا مشابهة في كل خطط التنمية السابقة، وقد تم الأسبوع قبل الفائت كسر السقف الأعلى للنفقات العامة بعد أسبوع واحد فقط من الإعلان عنه. الأمر الثاني، هو أن كل أدبيات التنمية والنهوض، بدأت أولاً في حراثة الأرض وتسميدها قبل زرعها، بينما معظم ما تم تقديمه في مشروع الاستدامة الاقتصادية والمالية، لم يشمل التعرض إلى البيئة المهترئة، فلم يتطرق إلى الفساد والشفافية والتنافسية، أي قفز إلى المزروعات ونوع الثمار المحتملة. ولا يمكن للقطاع الخاص أن ينمو ويزدهر إذا كان مضطراً للرشوة لتسيير أعماله، أو إذا كان قراره يمر من خلال مسؤول بشهادة مضروبة أو معين بالبراشوت، ولا يمكن له النجاح إذا كان يمضي معظم وقته في ملاحقة شؤونه في قطاع عام غير منتج، فالزرع لا ينمو ولا يثمر إذا كانت الأرض مريض.
وأضاف «الشال»: اجتهد وزير التجارة والصناعة في تقديم رؤاه حول تحسين بيئة الأعمال، وذكر 4 محاور مستحقة للنهوض بتلك البيئة، أولاها، هي خفض الزمن اللازم للترخيص للشركات من 60 – 90 يوماً إلى ما بين 3 – 7 أيام لنحو 83 في المئة من الشركات.
ثانيها، التعامل مع أكبر معيقات تأسيس مشروع، أي إمكانات الحصول على الأراضي، التي تحتكر الحكومة نحو 90 في المئة منها، والتي لا تسمح أسعارها بتأسيس مشروع بتكلفة اقتصادية منافسة، وذكر بأن الحكومة قامت بتوحيد معايير منحها لكل غرض وميكنة أدوار الحصول عليها لطالبيها.
ثالثها، كان تبسيط عملية مرور البضائع والركاب من المنافذ المختلفة، والكويت كما نعرف واحدة من أسوأ الدول في خدمات موانئها ومطارها ومنافذها البرية. ورابع المحاور كان في العمل على ميكنة الخدمات الحكومية، وذلك يعني خفض التواصل والاحتكاك المباشر مع الجهات الحكومية وإمكان إنجاز المعاملات عن بعد وبتكلفة أقل ووقت أقصر.
وكلها إجراءات صحيحة، وفي سبيل تأكيد نجاعة تلك الإجراءات، يذكر بأن الكويت تقدمت في مؤشر سهولة بدء الأعمال من المركز 102 في العام الفائت إلى المركز 96 في العام الحالي، وعلى الرغم من أن مركزها ما زال متخلفاً جداً، فإن بدء التقدم إنجاز محمود. وأيضاً الوعد بالارتقاء في مركز الكويت إلى الثلث الأول ضمن ذلك الجدول بحلول عام 2021، هدف لا بد من دعمه، فتحديد المستوى المستهدف وربطه بمدى زمني هما الطريق السليم للإنجاز.
المؤذي والمحبط كما في الحالتين السابقتين، أن هذا التقدم المتواضع في مؤشر سهولة بدء الأعمال، تزامن من تخلف كبير في مؤشر مدركات الفساد وتخلف في مؤشرات التنافسية والشفافية، واستمرار تعيينات البراشوت وأهمها قيادات مراكز تلك الخدمات مثل المطار والموانئ وغيرها، وتبوؤ حاملي الشهادات المضروبة مراكز قيادية في القطاع العام. وغلبة التخلــف فــي مؤشـرات البيئـة الحاضنـة طاغيـة علـى جهود إصلاح بعضها، وللمرة الثالثة لا لوم على أي وزير يسعى إلى الإصلاح، ولا بد من دعمه، ولكنه سوف يعجز في ظل وجود غلبة في الحكومة ترعى بيئة التخلف، وليس هناك أكثر فساداً من وباء الشهادات المضروبة ومكافأتهم بمناصب تعليمية وقيادية وتدميرهم لقدرات رأس المال البشري، وهو في كل أدبيات التنمية وسيلتها وهدفها، وليس هناك أسهل من كشفهم وعقابهم لو كانت إرادة الإصلاح موجودة. ونعتقد في ختام تعليقنا أن دعم وزراء الاختصاص واجب عند نزوعهم إلى الإصلاح، ولكن، جهودهم سوف تتعثر ما لم يشكلوا جبهة للقتال من أجل الإصلاح الشامل ضمن الحكومة، فهي العقبة الحقيقية لاستدامة المالية العامة والاقتصاد.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.