تعرضت قبل أيام مكتبة دار العروبة لحريق مؤسف، أتى على العديد من الكتب إضافة إلى الخزانات والديكور، وهذه المكتبة العريقة هي لصاحبها الصديق الدكتور خالد عبد الكريم جمعة، المثقف والأستاذ الجامعي والذي يعتبر من أهم اللغويين العرب، حيث حقق الكثير من كتب التراث بما فيها تاج العروس المكون من عدد كبير من المجلدات، حيث لم تستطع المؤسسات التي أخذت على عاتقها تحقيقه لأكثر من ثلاثين عاماً أن تكمل انجازه، لكن الدكتور خالد استطاع الانتهاء من تحقيق هذا المعجم الضخم.
وسوق الكتاب في الدول العربية وبالأخص في الكويت لا يلقى رواجاً، بل يكلف المؤلف وصاحب الدار التي تبيعه، فخلال السنوات القليلة الماضية قرر الأستاذ يحيى الربيعان اغلاق مكتبة الربيعان العريقة بسبب خسارته المتلاحقة، كما أغلقت دار قرطاس المتميزة بعناوينها أبوابها أيضاً للسبب نفسه، وبتعرض مكتبة دار العروبة للحريق نكون قد خسرنا منبعاً ثقافياً رصيناً ومهماً، كل ذلك يجري في الكويت صاحبة الأفضال الثقافية على العرب.
ولا يصمد من المكتبات في الكويت، سوى المكتبات الإسلامية وتلك التي ترتبط بالدوائر الحكومية وتستأثر بالمناقصات، كما أن الكتاب الثقافي الجاد لا يجد قراء له، بينما تباع بكميات كبيرة كتب الأبراج والطبخ وتلك التي تتحدث عن تاريخ القبائل.
واستشعاراً من بعض الشباب لأهمية مكتبة دار العروبة وما تقدمه من خدمة ثقافية جليلة، قرروا جمع تبرعات لإعادة ترميمها، وهي خطوة جميلة ومقدرة رغم ضعف الإمكانات المادية للشباب، بينما في ظني أن التبرع مستحق من بعض المؤسسات المهتمة بالشأن الثقافي مثل صناديق الوقف الثقافية، ومؤسسة البابطين للشعر العربي، ومؤسسة دار سعاد الصباح، إضافة إلى وزارة الإعلام وخاصة أنها تقاد من وزير شاب ومستنير، وكذلك المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب والمسارح الكويتية، هذا عدا عن الأشخاص المقتدرين الذين يعرفون ويقدرون علاقة الكويت بالثقافة.
وفي أيام شهر رمضان المبارك تنتشر الجمعيات الخيرية المرخصة وغير المرخصة لجمع التبرعات، والتي تقدر بالملايين في نهاية الشهر، فليت كان لدينا صناديق لدعم الثقافة أسوة بالدول المتقدمة.
والدكتور خالد لم يكن يهتم بالدخل الشحيح للمكتبة، بقدر اهتمامه بتقديم خدمة ثقافية على مستوى رفيع، استطعنا جميعاً الاستفادة والاغتراف منها، وأصبحت مكتبة دار العروبة بعد مرور عقود طويلة جزءا من التراث الثقافي الكويتي الذي يجب المحافظة عليه بأي ثمن.
ومن الغريب أن الصحف تنشر كل يوم أخبار الحرائق التي تنشب في أرجاء الكويت، كالأخشاب والإطارات، بينما لم تهتم إلى أهم حريق في رأيي، وهو حريق كتب قيمة تعتبر نتاج صفوة العقول العربية.
هذه المقالة هي دعوة لإنقاذ منبع من منابع الثقافة في الكويت، قدم لنا عبر عقود خدمات ثقافية، فأرجو ألا نبخل بالقليل على مكتبة قدمت لنا الكثير.
وليد الرجيب
osbohatw@gmail.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق