غبار الأزمات السياسية المتصاعد في كل الكويت حجب الكثير من الأمور الجيدة التي كان يمكن أن يبنى عليها لتطوير إيجابيات أكثر. فالتأزيم بطبيعة الحال يطغى على الهدوء ويتسيد المشهد وتحديدا المشهد الإعلامي الباحث دائما عن قضايا صاخبة.
قيل الكثير في تجربة المجلسين السابقين والصراع بين السلطتين والصراع داخل كل سلطة والصراع بين بعض أبناء الأسرة الذي غذّى ذلك كله… هذا هو الحال باختصار وعجالة، لكن هناك نقطة مهمة جدا لابد أن نتوقف عندها كي نفيها حقها التاريخي، ألا وهي تجربة النواب الشبان الذين كان عددهم كبيرا في المجلسين وخصوصا في المجلس الأخير.
النواب الشبان، وأفضل عدم تسميتهم واحدا واحدا لأنهم جميعا أدوا أدوارهم حسب قناعاتهم، أعطوا البرلمان حيوية حقيقية كان يفتقر اليها. حيوية ليست بمعنى الشتائم والصراخ واستحضار الازمات عند كل موقف بل بمعنى العمل على إقرار برامج إصلاحية تنموية والعمل على تحقيق معدلات رقابة عالية المستوى على قاعدة البيانات والنتائج والعمل على الارتقاء بالمؤسسة التشريعية لتعبر فعلا عن إرادة الناخبين بالمفهوم الوطني الذي حدده الدستور أي أن النائب يمثل الأمة جمعاء.
النواب الشبان كانوا الأكثر حضورا للجلسات، والأكثر تحضيرا للملفات، والأكثر التصاقا بهموم الكويت عموما. أثبتوا عزيمة كبيرة في التواصل المستمر مع قواعدهم الانتخابية التي ما أداروا لها ظهورهم عندما نجحوا، وأثبتوا احتراما كبيرا في استلهام التجارب المقتدرة للنواب المخضرمين المجربين. وقفوا أمامهم مثلما يقف التلميذ أمام معلمه لكنهم وقفوا بثبات وأضافوا إلى ما خبره الآخرون خبرات جديدة مرتبطة بروح العصر ولغة المرحلة.
وأهم ما ميز تجربة النواب الشبان حقيقة هو استقلاليتهم الكبيرة. فهم التزموا فعلا هذا الخط أو ذاك الفكر لكنهم لم يخرجوا عن قناعاتهم بوجوب العمل من أجل كويت مختلفة أكثر تقدما. ويمكن أن أتحدث بصراحة أكبر فأقول إنه حتى النواب الشبان الذين أفرزتهم فرعيات أو الذين زكتهم قبائلهم أو الذين نجحوا بدعم قبلي أو حضري أو مناطقي أو مذهبي كانوا يختلفون عن أقرانهم في موضوع الاستقلالية وإن بنسب متفاوتة، والسبب أن الشخصية الشابة عموما أكثر حماسة لتطبيق برامجها وقناعاتها وأكثر ميلا إلى الظهور بمظهر المختلف القادر على الانجاز لا المنساق وراء التكتلات من دون نقاش.
لون الشباب المجلس السابق بلون الورد. كل واحد منهم حمل ملفا إصلاحيا وبرنامجا تنفيذيا وهموم القاعدة التي أوصلته. حتى من كان منهم متطرفا في خطابه السياسي او مطالباته بالاصلاح كان يفاجئ الجميع في قدرته على التمييز بين التصعيد لمجرد التصعيد وبين رفع الصوت للوصول الى نتائج، وعندما يقتنع بأن صوته وصل من دون منصة كان يتراجع ويراقب ويحضر المزيد من الأوراق الإصلاحية.
تعديلات كثيرة تقدم بها شبان المجلس السابق. لم تأخذ حقها سياسيا وإعلاميا لان برامج الكتل الكبيرة المرتكزة على أهداف سياسية كانت الأعلى صوتا، لكن من يتمعن بدقة باوراق هؤلاء الشبان سيجد أن أهم ما فيها هو عدم إرتكازها على أهداف سياسية بل إصلاحية… ومن الطبيعي في مجلس مثل مجلس 2012 قادم من أزمة سياسية كبيرة أن تتصدر القوى التي كانت طرفا رئيسيا في الأزمة المشهد السياسي وتلعب دور الراعي لاعضاء الغالبية الجدد، ومع ذلك نقول إن أوراق الشبان الإصلاحية تتمتع بصلابة لا تتمتع بها الاوراق السياسية، وهذه الاوراق ستجد طريقها إلى التنفيذ عاجلا أم آجلا.
نصيحتي، كمواطن وكإعلامي، لهؤلاء الشبان ألا يتراجعوا لحظة عن الخوض في الشأن العام من أوسع أبوابه، وألا يصيبهم إحباط من الاعيب السياسة لانهم سيتمرسون ويتجاوزون العقبات واحدة تلو أخرى استنادا إلى برامجهم الإصلاحية وقاعدتهم المساندة دائما ورؤيتهم الى مستقبل افضل. ونصيحتي لهم أن يحافظوا على صورتهم الهادئة الثابتة وعلى صلابتهم وحيويتهم، وألا يقعوا في سحر المايكروفون والكاميرات والمهرجانات والصوت العالي فينسون كغيرهم أنهم مشرعون ويتصرفون كملاكمين.
غالبية الكويتيين هم من عنصر الشباب، ونحمد الله على نعمة وجود طاقات شابة متزنة دخلت مجالات العمل العام بأخلاقها وحصافتها وعلمها وثقافتها ورؤيتها وحيويتها واتقانها لغة العصر… فأوراق هؤلاء النواب لن تحترق مهما أحرقت الاعيب السياسة أوراق نواب آخرين.
لوّن النواب الشبان المجلس السابق بلون الورد وهم سيلونون في المجلس المقبل الكويت بلون الأمل و… النجاح.
جاسم بودي
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق