حذر خطيب مسجد المطير د. وليد عبدالله المنيس من خطورة المظاهرات التي يعارضها نهج السلف الصالح معتبرا أن مآلها شرور وتؤدي إلى الفوضى، وتعطل مصالح العباد والبلاد.
وأضاف في خطبة الجمعة يوم الأول من أمس ان الخروج بالمظاهرات من أسباب الفتن والشرور مستشهدا بما قاله الشيخ ابن باز بأن المسيرات في الشوارع والهتافات ليست الطريق للإصلاح والدعوة وأرجع اليه قوله: ان الطريق المتبعة عند سلفنا الصالح نصيحة ولاة الامر فيما بينهم والكتابة إليهم، وكذلك استشهد بما قاله الشيخ ابن عثيمين ونقل عنه قوله: ان المظاهرات شر لأنها تودي الى الفوضى وتعطل مصالح الناس والدولة.
وفيما يلي نص الخطبة:
الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور، نحمده على ما هدانا له من اسباب الخير الموفور، ونستهديه في كل ورود وصدور ومن يجعل الله له نورا فما له من نور، ووقع في الفتن والشرور، ونشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، ألا بذكر الله تنشرح الصدور، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، ارسله بالهدى والنور، اللهم صل عليه وعلى آله واصحابه الى يوم النشور، القائل لقومه: لن تراعوا، ولم يلقاهم بالويل والثبور.
الا ان من اسباب الفتن والشرور في بلدنا العزيز، خروج بعض الناس في المظاهرات، والمجاهرة بالويل والثبور، واستمراء السخط على نعم الله، والجرأة على ولاة الامور، رغم تقبلهم بالنعم وأمنهم في سربهم وحصولهم على كل مقدور، ثم ان هذه المظاهرات: مآلها شرور، تؤدي الى الفوضى وسفك الدماء والبغي المرير.
قال علامة الكويت محمد الجراح في وصف أهل البغي: يخرجون على الإمام ويقاتلونه بحسب تأويلهم هم، لا على موجب فهم العلماء الراسخين الموثوقين، لا يعرفون المعنى الحقيقي للأدلة، وقال العلامة ابن باز رحمه الله: “الأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والاسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله، أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان، ويلحق بذلك ما يفعله الناس مما يسبب شرا عظيما فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بزيارة ولاة الامر ونصحهم او بمكاتبتهم بالتي هي احسن لا بالعنف والمظاهرة، فقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم 13 سنة يدعو ولم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات”.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: “عليكم باتباع السلف، ان كان موجودا عند السلف فهو خير، وان لم يكن موجودا فهو شر، ولا شك ان المظاهرات شر، لأنها تؤدي الى الفوضى فيحصل بها اعتداء على الآخرين وربما على الاموال، لان الناس في خضم الفوضوية كالسكران لا يدري ما يقول، فالمظاهرات كلها شر سواء اذن فيها الحاكم او لم يأذن، ولو رجعت الى قلبه لوجدته يكرهها اشد الكراهة”، لما تسببه من تعطيل مصالح الناس والدولة، ولما تشيعه من تمرد وسخط بين الرعية، فهل كان يتصور في بلدنا ان يضرب عن العمل جمارك البر والبحر والجو والنفط.
أما أدلة عدم جوازها: قال تعالى (وإن تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله)، وغاية ما تدعو المظاهرات اليه طاعة الاكثرية وليس باتباع ما يراه المشرع الحكيم او سنة السلف الراشدين، كما قال تعالى (إن الحكم الا الله) وهم في مظاهراتهم يجعلون الحكم للناس ولا يذكرون ان الله قد نهى عن ذلك وامر بطاعته، وقال تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا) فزيادة على الاذية باللسان، تجدهم يسدون الطرقات، ويتغيبون عن العمل، ويغلقون المصالح العامة، فكم من صاحب مصلحة تعطل رزقه، وكم من مريض لم يستطع ان يصل الى طبيبه، وكم من عاجز انقطع عنه معينه، وقال تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، وقال تعالى (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات)، فالمظاهرات من اكبر علامات التفرق والتنازع، تجد الناس ما بين مؤيد، او ناقم، او صامت متألم، او خائف من العواقب، كما ان بها خداع للنفس، بأنها سلمية ثم ما تلبث ان تكون فوضوية ثم دموية، وتتباين المطالب، وتتبدل، وتتغير كلما استشرت وطال زمنها.
أما الحل بإذن الله تعالى فيكون بالدعاء إلى الله تعالى ان يخلصنا من ذلك، قال تعالى: (ادعوني استجب لكم)، وقال تعالى: (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا…)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ألِظوا بيا ذا الجلال والاكرام”، وكان يقول: “يا حي يا قيوم برحمتك استغيث”.
ويكون الحل بإذن الله تعالى باجتناب مواطن الفتن فلا تشارك فيها لا بلسانك ولا بأموالك ولا بنفسك، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم الفتنة بقوله: “من يستشرف لها تستشرفه”، وقال: “فمن وجد ملاذا فليلذ به”، والرجوع الى الكتاب والسنة، إذ قال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فرده إلى الله والرسول..)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ”، والاجتماع والتآلف والتناصح والتَّخَلُّق بالخلق الطيب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا” رواه البخاري، وتجنب المعاصي فهي سبب كل وبال، ومناصحة ولاة الامر بالتي هي احسن والسمع والطاعة، والصبر على اقدار الله، فعندما سأل حذيفة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ستكون فتن وشرور في آخر الزمان فما تأمرني؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليك بإمام المسلمين وجماعتهم أي عامة المسلمين، قال حذيفة فإن لم يكن لهم امام ولا جماعة، قال له: تعتزلهم، أو ان تعض على اصل شجرة حتى تقبض”.
جعلنا الله واياكم ممن اتعظ بالمواعظ الزاخرة، وجمع لنا ولكم بين خيري الدنيا والآخرة، وان نكون من الفائزين الآمنين، وجنبنا واياكم موارد الظالمين، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.
وفي الجزء الثاني من الخطبة قال خطيب مسجد المطير الشيخ الدكتور وليد عبدالله المنيس:
الحمد لله الهادي الى سبيله، الذي لا اصدق منه في قيله، افترض على الخلق طاعته وطاعة رسوله، وامر الاعتصام بحبله ونهى عن التفرق في تنزيله، احمده على قليل عطائه وجزيله واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، ذلكم الله ربكم القائل في كتابه: (واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم)، واشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصبحه وسلم اما بعد.
فهذه جملة من منهج السلف الصالح في معاملة ولاة الامر، والنصح لهم ولزوم طاعتهم: مناصحة ولاة الامر سرا لا على رؤوس المنابر او مجامع الناس لما في ذلك من تأليب العامة واثارة الرعاع واشعال الفتن، وكان دأب اهل السنة والجماعة بل سبيلهم جمع قلوب الناس على ولاتهم، والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية، الامر بالصبر على ما يصدر من الولاة، وعدم التشهير بعيوبهم في مجامع الناس، والنصح لهم فيما بينهم، والكتابة اليهم او الاتصال بالوجهاء والعلماء ليوصلوا لهم النصح بأحسن السبل، ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه: “الا تنكر على عثمان، قال: لا انكر عليه عند الناس لكن انكر عليه بيني وبينه ولا افتح باب شر على الناس”.
وكذلك اتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس، ومجامع الناس مما يشيع الاستخفاف بهم وعدم احترام النظام، فتضطرب الاحوال، واخرج الامام احمد في المسند: “من اكرم سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا اكرمه الله يوم القيامة، ومن اهان سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا، اهانه الله يوم القيامة”. قال الهيثمي: رواه احمد والطبراني، وفي صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه: “ان الله رضي لكم ثلاثا: ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وان تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وان تناصحوا من ولاة الله امركم”، كما ان الانكار في المحافل والمساجد والصحف ومجامع الناس ليس من باب النصيحة في شيء، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح، والسمع والطاعة، ومن حديث الأشعث بن قيس الذي أخرجه مسلم: “اسمعوا واطيعوا فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم”، وفي صحيح مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من اطاعني فقد اطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد اطاعني ومن يعص الامير فقد عصاني”، ومن حديث انس: “اسمعوا واطيعوا وان استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة” أخرجه البخاري، والنهي عن الوقيعة في اعراض ولاة الأمر، وان الاشتغال بذكر معائبهم خطيئة كبيرة وجريمة بشعة، ينهى عنها الشرع المطهر، وهي نواة الخروج، وهي اصل مذهب الخوارج وأمثالهم من اهل البدع الذين هم اصل فساد الدين والدنيا، ففي كتاب السنة لابن عاصم بإسناد جيد، من حديث انس بن مالك: “لا تسبوا امراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضونهم، واتقوا الله واصبروا، فان الامر قريب”.
وقال الحسن البصري عن ولاة الأمر: “والله لا يستقيم الدين الا بهم وان جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم اكثر مما يفسدون، مع ان طاعتهم والله لغبطة، وان فرقتهم لكفر”، وقال قاضي الكويت العلامة الشيخ عبدالله الخلف الدحيان: “ان الله لعبادته خلقكم، وبالاعتصام بحبله أمركم، وعن مفارقة الجماعة حذركم، وبمناصحة أولياء الأمور رغبكم”، وقال العلامة ابن باز: “ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر لأن ذلك يفضي الى الانقلاب وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي الى الخروج، ولكن الطريقة المتبعة عند سلفنا الصالح الولاة فيما بينهم والكتابة اليهم”.
فالنهي عن التعرض لهم، انما هو لعظم المسؤولية التي وكلت اليهم، وانه لن يقام ما كلفوا به على الوجه المطلوب مع وجود سبهم والوقيعة فيهم، لان سبهم يفضي الى عدم طاعتهم، وايغار صدور العامة عليهم واشاعة الفوضى، حيث قال العلامة ابن عثيمين: “فالله الله في منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وان لا يُتخذ من اخطاء السلطان سبيلا لإثارة الناس الى تنفير القلوب عن ولاة الامور فهذا عين المفسدة”، وقال سهل بن عبدالله التستري: “لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فان عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وان استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم”.
وهذا هو منهج اهل الكويت وعلمائهم رحمهم الله كانوا يتناصحون مع ولاة الامر على هذا المنهج، ألا فاتقوا الله عباد الله وتوبوا اليه وأصلحوا ذات بينكم، ووقروا ولاة أمركم، يصلح الله أحوالك، اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، أللهم أمّنا في أوطاننا وأصلح أمتنا وولاة أمورنا على امور دينهم ودنياهم، وأصح بطانتهم ورعيتهم، عباد الله: إن الله يأمر بالعدل ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم واشكروه يزدكم، ولذكر الله اكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المصدر: جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق