أكد الخبير الدستوري د.محمد الفيلي ان تحويل الكويت دائرة انتخابية واحدة يمكن ان يكون حلا مقبولا للأزمة السياسية الدستورية التي تواجهها البلاد جراء احالة قانون الانتخابات الى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريته. جاء ذلك في ندوة الصالون الاعلامي التي أقيمت أول من أمس وشارك فيها الى جانبه استاذ القانون الدستوري في جامعة الكويت د.فواز الجدعي.
وقال الفيلي ان التوزيع المغرض للدوائر الانتخابية يعتبر خطرا كبيرا على العملية الانتخابية والديموقراطية، ولمواجهة ذلك يجب ان يكون توزيع الدوائر عن طريق قانون، متسائلا: هل يكفي ان نقسم الدوائر الانتخابية بموجب قانون ويكون الأمر صحيحا وسليما أم ان هناك مبادئ أخرى تجب مراعاتها؟
واجاب: هناك مبادئ أخرى يجب ان تراعى أهمها المساواة والعدالة بين الدوائر على الرغم من ان من المستحيل ان تكون الدوائر متطابقة حسابيا، ويجب ألا يكون توزيع الدوائر مغرضا حتى لا يخل بنزاهة الانتخابات. واضاف: لو تم النظر في الدوائر الـ25 لوجدنا ان تقسيم بعضها كان مخلا لا يحقق العدالة أو المساواة، اما عن الدوائر الخمس فقد كان هناك الكثير من الآراء الدستورية التي نادت بضرورة مراعاة مبدأ «التقارب التصويتي» ولكن الاعتبارات السياسية والصراع الدائر جعل سماع صوت المتخصصين الفني مستحيلا.
واشار الفيلي الى ان المحكمة الدستورية قضت في 2012 بعدم دستورية مرسوم الحل لمجلس 2009 وبذلك سقط صنم عدم المساس بالعملية الانتخابية وأصبحنا نسمع من يقول «سوف نطعن على الانتخابات المقبلة». واوضح ان هناك ثلاثة سيناريوهات للتعامل مع الوضع الراهن، الأول ان يتعامل مجلس 2009 مع قانون الانتخابات ويقوم بتعديله، والثاني هو الطعن المباشر بموجب منازعة قائمة، أما الثالث فهو انتظار الانتخابات القادمة والتي من المتوقع ان يطعن عليها أيضا. واضاف ان أحد الحلول المطروحة هو الضغط على الحكومة لسحب طعنها ولكن هذا يتطلب النظر في طبيعة الخصومة، هل هي قائمة على مصالح خاصة أم لا.
وقال د.فواز الجدعي ان ما يحدث في الكويت حدث في مصر سابقا حين قام البعض بالطعن على مشروعية قرار رئيس الجمهورية الدعوة الى الانتخابات البرلمانية وقد حكم القضاء الاداري حينها بعدم دستورية قانون الانتخابات وبالتالي بطلانها. واشار الى ان قانون الانتخاب له خصوصية تجب مراعاتها، توجب التبصر والتحوط في التعامل معه.
وأضاف ان المحكمة الدستورية ليس لها الحق في ان تنظر في مراسيم الحل وذلك لأن مراسيم الحل هي من اختصاص القضاء الاداري اذ تعتبر من القرارات الادارية، وبالتالي كان يجب على المحكمة الدستورية احالة الدعوى الى القضاء الاداري للفصل فيها. ومضى قائلا: لو وصلت المسألة الى طريق مسدود فان الحل الوحيد هو العودة الى الأمة لتصحيح أخطائها الدستورية، فهناك اجماع على عدم سن قوانين انتخابية بمقتضى مراسيم الضرورة. والسؤال هنا هو: لماذا لم تبادر المحكمة الى التعامل المبكر مع قانون الانتخابات وتعديله بما يتوافق مع مقتضى الحال ويستشرف المستقبل وهي تملك هذا الحق؟ مستشهدا بما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية من تعديل لقانون الانتخابات.
وعن الحكم وما يترتب عليه قال الجدعي: اذا كان الابطال موضوعيا فليست هناك مشكلة مع الاجراءات، واذا حكمت المحكمة بعدم الدستورية فلن يكون هناك مجال للعودة الى الدوائر الـ25.
وقد شهدت الندوة العديد من المداخلات كانت أولاها لوزير الاعلام السابق والكاتب سامي النصف الذي طرح فكرة وجود مجلس أو مركز للافتاء الدستوري والقانوني يمكن الرجوع اليه في مثل هذه المسائل والخلافات حتى لا يكون الأمر عرضة لاجتهادات غير ذوي الاختصاص. ورأى ان التوزيع المقرر للدوائر الـ25 يعتبر حسنا اذا كانت النوايا حسنة لإعطاء الفرصة للجميع لإبداء آرائهم الانتخابية واختيار من يمثلهم، وليست هناك مشكلة في التباين والاختلاف بين الدوائر اذا كانت جميع شرائح المجتمع ممثلة في البرلمان.
أما الكاتب الصحافي أحمد المليفي فأكد ان القضية الأساسية في قرار الاحالة هي العدالة العددية في الدوائر الانتخابية، ولكن الناظر بعمق يرى ان المسألة ليست كذلك وانما هي حرب مرشحين، وهذه ليست حربنا ولا هي قضيتنا.
وأكدت المحامية نجلاء النقي ان القانون علم في اساسه قائم على الجدل والاجتهاد، وأن الكويت الآن في حاجة الى توحيد مصدر الفتوى الدستورية وعدم فتح المجال أمام غير المتخصصين للتصريح بآرائهم في مسائل قانونية ودستورية حساسة.
أما المحامي فيصل الصقر فقد شدد على ان الكويت اليوم أمام مشروع وطني ولا أحد يمكنه التأكيد على ان الدوائر الخمس أفضل تمثيلا شرائح المجتمع الكويتي كله.
وفي تعقيبه على المداخلات أوضح د.محمد الفيلي ان الديموقراطية ثلاثة أنواع، مباشرة وغير مباشرة ونيابية، وان دستور الكويت أخذ بالديموقراطية النيابية بمعنى ان مجلس الأمة له حق التشريع، أما في حال غياب مجلس الأمة فان التشريع يكون عن طريق مرسوم بقانون في حال الضرورة.
وقال ان «مشكلتنا في العالم الثالث هو أننا نسيس كل شيء». وشدد الفيلي على ضرورة ان تكون هناك منتديات للقانونيين لا يمارس البحث فيها تحت نظر السياسة والسياسيين، «وعادة في فقه التعامل مع النوازل والمصائب الكبرى والقضايا المهمة لا ينبغي الاندفاع في الآراء بل يجب التمهل والتدبر والتفكير العميق في جميع جوانب المشكلة قبل ابداء أي رأي فيها».
ورأى انه قد يكون من المجدي ان يحدد ميعاد للحكم، مشيرا الى انه في بعض الدول الغربية اذا وقعت مثل هذه الحالات فان المحكمة تستبق الطعن وتبدأ في جمع المعلومات والاستعداد للقضية خصوصا اذا كانت تمس المصلحة العامة للمجتمع والدولة.
واوضح ان السياسة القضائية تحتم على القاضي الدستوري موازنة أحكامه مع مصلحة المجموع، وربما تشدد القاضي في مسألة ما لقطع دابر المخالفة، فالقضاء يحكم على السياسة ولا يحكم وفقا للسياسة لأنه لو حكم وفقا للسياسة لوقع في المحظور وتحولت المحكمة الى أداة سياسية.
المصدر”الوطن”
قم بكتابة اول تعليق