إبراهيم العوضي: مليارا الداو وملايين الإيداعات

حماية المال العام مسؤولية وطنية يتحملها الجميع وتقع على عاتق صانعي القرار ونواب مجلس الأمة والوزراء وقياديي الدولة وقبلهم جميعا المواطنون كافة.
قضيتان مهمتان شغلتا الشارع السياسي في السنوات الأخيرة، وهما قضيتا الإيداعات المليونية والداو كيميكال والتي ألزمت من خلالها هيئة التحكيم لغرفة التجارة الدولية شركة صناعات الكيماويات البترولية التابعة لمؤسسة البترول الوطنية بتعويض شركة الداو مبلغ إجمالي يصل إلى 2.161 مليار دولار أميركي دون أن يشمل ذلك المبلغ قيمة الفوائد والأكلاف.
تتشابه القضيتان آنفتا الذكر، بأن كل منهما قد كبد الكويت خسائر مالية وأضر بسمعتها سياسيا واقتصاديا وساهما في زيادة شرخ الفساد الذي عاث بالبلاد وعطلا عن طريقهما التنمية من خلال إشغال الشارع بهما، كما أنهما عززتا من غياب مبدأ الثواب والعقاب، فغابت من خلالهما المسؤولية واستمر مرتكبوها في ممارسة أعمالهم دون أي محاسبة تذكر. كما أن هاتين القضيتين قد أكدتا بما لا يدعو للشك بأن قياديي الدولة قد حادوا عن جادة الصواب وأوقعوا الكويت في مستنقع غياب المسؤولية، فزادوا بذلك حالة الألم والخوف من مستقبل يمكن أن يكون أجمل لو حرصوا على مستقبل الكويت وسمعتها.
لم تتوقف آثار تلك القضيتن عند هذا الحد، فالجانبان الأخلاقي والمهني هما أهم بكثير من تلك الأموال الضائعة التي لن يتحملها هذا المسؤول أو ذلك القيادي، فجميعها ستدفع من جيب المواطن وعلى حساب الأجيال القادمة، ولكن هاتين القضيتين شكلتا سوابق ونقطة إنطلاق سيئة لتهميش العادات والتقاليد والثوابت الإسلامية التي تقوم على مبدأ الأمانة والعدالة، فغاب الضمير وضاع الحرص على وطننا الجميل وكل ذلك جاء بمباركة غياب ما يعرف باسم القانون الذي لا يطبق سوى على الفقير المسكين أما سراق المال العام فما زالوا في بروجهم العاجية منعمين مكرمين.
إلا أن القضيتين تختلفان كذلك بأشياء أخرى لعل أهمها أن الغالبية التي تدعي حمايتها للمال العام ما زالت تصر على قضية الإيداعات المليونية وتؤكد حرصها على حماية المال العام من خلالها وذلك عن طريق الكشف عن حقيقة المبالغ المدفوعة ومصدرها وضررها على المال العام والتشديد على محاسبة مرتكبها والمستفيدين من ورائها، ونست أو حتى نكون أكثر واقعيين تناست قضية الداو كيميكال عن عمد وذلك تجنبا منها لإيقاع من لهم علاقة بالموضوع في شرك المحاسبة السياسية. فواقع الحال يقول انه وعلى الرغم من أن تلك القضية حدثت ابان ترؤس ناصر المحمد لمجلس الوزراء وهو المسؤول الأول عنها، إلا أن الوزير المعني بالموضوع هو أحد أهم أعضاء الحركة الدستورية كما أن من قاوم وبشدة تلك الصفقة المهمة والتي كانت ستعود للكويت بالكثير هم أعضاء كتلة العمل الشعبي وهما بذلك مشتركون في تلك القضية المأسوية.
لذا، أرجو من أعضاء كتلة الغالبية الذين كانوا وما زالوا ينادون بحماية المال العام أن يكونوا صادقين مع أنفسهم قبل غيرهم في تبني قضية الداو كيميكال كما هو الحال مع قضية الإيداعات المليونية، وألا تمر القضية دون محاسبة المسؤولين عنها ومعاقبة من كبد الكويت تلك الخسائر المادية وأضر بسمعتها في الأوساط الاقتصادية وقلل من شأنها دوليا!!!

boadeeb@yahoo.com

المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.