صالح الغنام: ديمقراطية مضروبة

حين أقول بأننا “مو كفو” ديمقراطية, فليس في هذا اجتراء أو تطاول, فالديمقراطية لم تنجح ولن تنجح في بلداننا العربية ما دمنا لم نتحرر بعد من جاهليتنا الأولى, ولم نرشد أنانيتنا أو نهذب سلوكياتنا وأدبياتنا وتقاليدنا وأعرافنا التي تنبذ بتطرف كل رأي مخالف لا يتوافق مع آرائنا, وترفض الالتزام بالديمقراطية إن لم تأت نتائجها على الهوى والمشتهى, وتكره الاعتراف بحقوق الآخر. نحن أنانيون بالفطرة, وفهمنا للديمقراطية تحدده لاءات ثلاث هي عند العرب بمنزلة الثوابت الأصيلة التي لا يجوز التفريط بها أو التزحزح عنها, وهي كما يلي: “لا رأي إلا رأينا, لا صوت يعارض صوتنا, لا حق إلا لنا”. هذه هي الديمقراطية الصحيحة بالنسبة الى العرب “الله يكملهم بعقلهم”, عموما, لا داعي للاستفاضة, فأمامنا نماذج ميدانية عديدة تغنينا عن الشرح والتشريح وتبين لنا بجلاء الكيفية التي يتعامل بها وجهاء الديمقراطية في الكويت!
في بلادي, مسموح فقط للنواب بمقاضاة خصومهم ومنتقديهم من كتاب وإعلاميين وشخصيات عامة, فمن وجهة نظرهم, فإن هذا حق خالص كفله الدستور لهم وحدهم دون سواهم, إذ يحظر على الشخصيات العامة أو أي من المتضررين من النواب باللجوء للقضاء, فهذا سيفسر على أنه ملاحقة سياسية لهم, فضلا عن اتهام رافع الدعوى بالكيدية وتعمد تعطيل العمل التشريعي.
في بلادي, يجوز للنواب استخدام ما بدا لهم من أدوات وصلاحيات وأعراف حتى, كمقاطعة الجلسات وتوجيه الأسئلة وتشكيل لجان التحقيق وتقديم الاستجوابات وتوقيع طلبات طرح الثقة قبل بدء الاستجواب أو أثناءه أو قبل انتهائه, فهذا برأيهم تكريس أصيل للعمل الرقابي والنيابي, بينما يُحرم على الحكومة التغيب أو الانسحاب من الجلسات, أو استخدام أي من حقوقها الدستورية, كاللجوء إلى المحكمة, أو تأجيل الاستجوابات أو طلب سرية مناقشتها, فهذا يعتبر إجراما بحق الدستور وانقلابا عليه وتفريغا لمحتواه!
في بلادي, يحق للنواب أن يلعبوا بالشعب “طوبة” ولهم أن يقرروا مصير الدستور بمعرفتهم, فلا بأس من أن يرفعوا في يوم شعار “إلا الدستور” ثم ينقلبوا عليه بشعار “نعم لتعديل الدستور” ثم يتراجعوا – كآخر كلام – بإنشاء “جبهة وطنية لحماية الدستور”, بينما لو قدمت الحكومة أو أي شخص آخر ¯ من غير شلتهم ¯ اقتراحا بتعديلات شكلية على بعض مواد الدستور, لقامت قيامتهم ولوصفوا هذا الفعل بالخيانة والردة. في بلادي, مسموح للنواب عقد تحالفات وتشكيل جبهات وإجراء ترتيبات إعلامية لشراء مغردين بهدف الدفاع عن النواب وتسويق آرائهم ومهاجمة خصومهم والتعريض بهم, فكل هذه الإجراءات لا تخرج عن إطار العمل السياسي, ولكن, لا يجوز إطلاقا, لا للحكومة ولا أي جهة أخرى أن تمارس التكتيك نفسه وتقوم بالترتيبات ذاتها ¯ كإشاعة فيلا الجابرية ¯ فهذا يعتبر “نهجا سلطويا” ومؤامرة دنيئة تهدف الى محاربة وإسقاط الديمقراطيين الشرفاء!
salehpen@hotmail.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.