احمد الجارالله: “اركدوا”… لن تبلغوا الجبال طولا

لا يحتاج المراقب الى البحث طويلا لمعرفة الطبيعة السياسية للتيارات الاسلامية, لأن مريديها سرعان ما يكشفون عن وجههم الحقيقي, وهو ما اختصره الداعية الاسلامي الدكتور طارق سويدان في مداخلته الاخيرة في مؤتمر النهضة عن أنهم يكيلون بمكيالين, ففي حين يطالبون بمنع غيرهم من إبداء رأيه, نراهم يصدرون أوامرهم الى المجتمع تحت ستار الفتاوى, يحللون ما يشاؤون ويحرمون ما لا يتناسب مع مصالحهم, يطالبون بهدم الكنائس في الكويت والعالم الاسلامي, ويقاتلون لبناء المساجد في الغرب المسيحي, حيث العلمانية أساس الدول, وفصل الدين عن الدولة ومنع التباهي بالرموز الدينية.
هذا الانفصام في الشخصية الذي تعاني منه التيارات الاسلامية لا يقف عن حد إقصاء الآخر, بل يصل الى درجة ممارسة الاحتيال السياسي في كل شيء نتيجة اقتناعهم بضعفهم وغياب مشروعهم لادارة الدولة, لذلك رأيناهم في الحقب الماضية يذهبون مباشرة الى العنف والاغتيال والتفجير للوصول الى أهدافهم, ولا يقبلون بالحوار المبني على مقارعة الحجة بالحجة, وليس أدل على ذلك مما جرى في مصر طوال نصف القرن الماضي, كما ان نظام الملالي في طهران, مثال حي على فشل هكذا جماعات في ادارة الدول, فطوال 33 عاما يجر هؤلاء بلادهم من أزمة الى أخرى, ويفتعلون المشكلات حتى بات العالم كله ضدهم, ما أدى الى إغراق ايران في الحصار والجوع والتخلف.
التجربة الايرانية ليست وحدها التي تعلمنا ألا نركن لمن لا يفقهون غير السطو على السلطة والهيمنة وزرع الاعوان في مفاصل الحكم وبيوتاته ومؤسساته المهمة لتسيير مصالحهم, فها هي تونس التي أعطتهم السلطة عبر صناديق الاقتراع يدفعون بها الى مهاوي الانقسام والاحتراب والتقاتل, وهو الأمر ذاته يتكرر في مصر حاليا حيث دخلت الازمة منعطفا خطيرا باتت معه مهددة ليس بالتقسيم فقط, بل بفشل الدولة, كما هي الحال في افغانستان”الطالبانية” وصومال” الشباب المقاتل”.
ما يجري حاليا في الكويت لا يمكن إخراجه عن السياق ذاته, فهؤلاء الذين استولوا على الاكثرية البرلمانية باستخدام الشارع لارهاب الناس والدولة, أغدقوا على النظام الوعود في شأن انتظام عمل المؤسسات وإقرار القوانين والتفرغ للتنمية والتشريع, وما ان ضمنوا غالبيتهم حتى بنوا المتاريس وبدأوا معاركهم ضد بقية مكونات المجتمع, وسرعان ما تحولت الى معارك بينهم, ورغم ذلك زادوا من”تشبيحهم”, وما الاضرابات الاخيرة التي شهدتها البلاد الا رأس جبل الجليد عما يخفيه هؤلاء في جراب حاوي الألاعيب التي لا يتقنون غيرها للاستمرار أطول فترة ممكنة في السيطرة على الادارة.
لا يمكن القبول, تحت اي ظرف من الظروف باستمرار الحال على ما هي عليه, لأن من يتقن الهدم لا يمكنه البناء, لذلك نقول لهؤلاء “اركدوا”, وكما قال العزيز الجبار في تنزيله المحكم: “وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الجبال طُولاً”, فانتم لن تستطيعوا تزييف الحقيقة مهما فعلتم, ولا تغتروا باغلبية وهمية, فحروبكم المصلحية جعلت الناس تكفر بكم وبكل ما تحاولون فعله لتزيين باطلكم على أنه الحق المبين.
»اركدوا« لأن من أتى بكم بسهولة يستطيع إزاحتكم بسهولة أكثر, فالناس اختبروا أفعالكم, وعرفوكم جيدا, واكتشفوا مدى عبثيتكم, كما أدركوا حقدكم وفجوركم في الخصومة, وهو فجور يدل على إفلاسكم في امتلاك منهجية واضحة لادارة صحيحة للدولة.
يبقى ان نقول: اذا كان التغيير على هذا النحو من الفوضى والعبثية, فبئس التغيير, واذا كانت التيارات الاسلامية التي وعدت بالحكم الحق والعدل على هذا النحو من الفجور وغياب العقل, فبئس هكذا تيارات… “اركدوا” فلن تبلغوا الجبال طولا.
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.