لو كنت مكان رئيس الوزراء لكان اول قرار آخذه بعد صدور قرار المحكمة الدستورية في شأن الدوائر الانتخابية هو عزل طاقم المستشارين والخبراء، فالتخبط الذي وقعت فيه الحكومة ما كان له ان يحدث لو ان مستشاريها وخبراءها كانوا في المنزلة التي تؤهلهم لتقديم المشورة الحصيفة والحكيمة التي تساعد الحكومة على السير في سكة السلامة دون التعرض للمعوقات أو العراقيل.
فمنذ صدور حكم المحكمة الدستورية في شأن ابطال مجلس (2012) وعودة مجلس (2009) والى يومنا هذا وحتى الشهور المقبلة، ترى كم خسرت الدولة وكم خسرت الحكومة وكم خسرنا نحن كمواطنين من الضغط النفسي والمادي والمعنوي دون تحقيق أي انتاج حقيقي ملموس على الارض..؟!!
هل كنا نحتاج الى كل ذلك، وهل كان الشارع بحاجة الى ذلك الصخب وحرق الاعصاب، وتمزيق الشعب الى جبهات مؤيدة ومعارضة ومناكفة وصاخبة، هل يستاهل بلدنا، هذا البلد الصغير الذي كرمه الله بالرزق الوفير والوداعة والبساطة ان نعجز على ادارته ادارة حكيمة تحقق لنا الخير وتوفر لنا الالفة والاطمئنان وتبعد عنا الشحناء والمجادلة التي لا خير فيها..؟!!
ماذا لو سلكت الحكومة طريقا غير الطريق الطويل والملتوي الذي سلكته، اما كان ذلك اجدر، لقصرت المشوار وجنبت عنها المأزق الدستوري والقانوني وتعطيل مصالح الدولة ومعاناة الفراغ الدستوري..؟!!
ولو قرأت الحكومة المعطيات التي وجدت بعد صدور قرار ابطال مجلس (2012) لما احتاجت الذهاب للمحكمة الدستورية مجددا بذريعة عدم دستورية قانون الدوائر، واعتبار ذلك تكتيكا يغلق الطريق على الاغلبية المارقة…!!
لعل الآن، بعد صدور قرار المحكمة الدستورية حول الدوائر قد تقلصت الفرص امام الحكومة، على الرغم من ان فرصة تعديل الدوائر لم تنصرف خصوصا ان الدوائر الخمس بأربعة اصوات عمليا لا تحقق العدالة ولا تلبي المطالب الشعبية وعليه فإذا جرت الانتخابات المقبلة على اساسها هذا معناه ان نخرج من حفرة لنقع في حفرة جديدة، ولكن ما بوسع الحكومة عمله غير ذلك؟ فتعديل الدوائر يحتاج الى قرار توافقي يقبله الجميع ولا نظن ان ذلك يتوافر في ظل الصخب والشحن والاحتقان السياسي وايضا لا اظن ان مجلس الامة المقبل مؤهل لتعديل الدوائر على اساس تحقيق العدالة وتلبية مطالب الاقلية، ولعل تعديل الدوائر يحتاج الى حكماء وخبراء محايدين بعيدين كل البعد عن الشطط والميل الى هذا وذاك من الاقوام والاطياف.
خلاصة القول، ان مساحة اللعب والتكتيكات قد تقلصت امام الحكومة وان كانت فرصة تعديل الدوائر ما زالت متاحة، ولكن بجهود مضاعفة وضغوط غير عادية حتى يتحقق ذلك، لذا فلا خيار لدى الحكومة غير حل مجلس (2009) والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة.
وهكذا ندور في حلقة مفرغة، حل فانتخاب وحل فانتخاب الى ان يُقدر الله امرا كان مقدورا.
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق