يروي المعارض العراقي السابق حسن العلوي في كتابه «أسوار الطين»، أن معارضي نظام صدام لم يكونوا يلجأون للمعارضة السلمية، وإنما في الغالب كانوا يحاولون إسقاط النظام مباشرة، والسبب بسيط وهو أن أي تهمة في عهد صدام، مهما كانت بسيطة، كانت عقوبتها الإعدام، وبالتالي ما دامت العقوبة في كل الأحوال هي الإعدام، فلماذا يعدم المعارض، من أجل معارضة سلمية، مهما كانت درجتها؟ وليكن الإعدام من أجل محاولة إسقاط النظام مباشرة.
تذكرت كلام حسن العلوي وأنا أقرأ بيان الأغلبية شديد اللهجة، الذي اعتبر أن تعديل نظام التصويت في الانتخابات من أربع أصوات إلى صوت واحد يعد انقلابا على الدستور.
من الواضح أن أحمد السعدون ومسلم البراك يتعاملان مع الأمور بنفس طريقة نظام صدام، فكل شيء يصدر من السلطة والحكومة بالنسبة لهما هو انقلاب على الدستور، فعدم حضور جلسات المجلس انقلاب على الدستور، وإحالة نظام الدوائر الانتخابية للمحكمة الدستورية انقلاب على الدستور، وإصدار مراسيم ضرورة انقلاب على الدستور.
كلامي لا يعني أن ما تقوم به الحكومة صحيح في الأمور التي ذكرت، فليس لدي شك أن الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال لا تحترم لا الدستور ولا القانون، وأنها كانت تتمنى لو تسنح لها الفرصة في التخلص من «بعبع» الدستور، ولكن المبالغة الدائمة من السعدون وجماعته في تصوير أن كل تصرف حكومي هو انقلاب على الدستور يفقد هذا الكلام قيمته. ليترك تعبير «الانقلاب على الدستور» للأمور الكبيرة، مثل الحل غير الدستوري لمجلس الأمة، ويمكن التعبير في ما دون ذلك بالقول إنها مخالفات دستورية، أو عبث دستوري.. أو غيرها من التوصيفات.
الغريب أن السعدون يستعين في معركته في «الدفاع عن الدستور» بمن يعتبر الدستور عنده أهون من «عفطة عنز»، وإلا كيف يريد السعدون والبراك أن يقنعانا بأن الدفاع عن الدستور يأتي من خلال إقامة ندوات في ديوانية سالم النملان أو خالد شخير أو أسامة المناور، وهم من خريجي
مدرسة «التشاوريات».
مسكين هو الدستور الذي يدافع عنه أمثال هؤلاء الجهابذة. غالبية الناس تريد أن تحافظ على الدستور وعلى النظام الديمقراطي للبلد، ولكن عندما ترى أن النملان وشخير ومناور والوعلان، ومن على شاكلتهم، هم من يرفعون شعار الدفاع عن الدستور، فإنهم حتما سيكفرون بهكذا دستور.
إذا كان هناك من تشبيه يمكن به توصيف كلام السعدون والبراك المتكرر عن «الانقلاب على الدستور»، فهو أنهما مثل الراديو القديم «بوخيط» الذي انقطع فيه «خيط» مؤشر القنوات، ليتوقف عند موجة واحدة لا يتحرك عنها، ليردد الكلام نفسه بشكل دائم.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق