نحن عرب اليوم وبلا فخر، أوفياء جداً مع أحبابنا المبدعين، مثلما نحن أوفياء مع كل مخلصٍ صادقٍ في شتى ميادين الحياة، والدليل أننا لا نشعر بجمال وأهمية مبدعينا العرب ماداموا أحياء يرزقون ويعيشون بيننا، ولكن وبعد أن يُغيّب الموت المبدع العربي الحقيقي المهمش فجأة تدُب البصيرة في عقولنا ويتسلل الحنان إلى قلوبنا فنهرول مسرعين للبكاء والنواح على ذلك المبدع، ونُقيم من أجله الاحتفالات التأبينية والندوات التي تتطرق لسيرته وإبداعه!!
نحن عرب اليوم معروفٌ عنا ولعُنا وحُبنا الأهوج لتقليد الغرب في توافه الأمور، فنحن العرب نقلد الغرب في أكلهم وشربهم ونومهم ولبسهم ومشيهم وقيامهم وجلوسهم وتسريحات شعورهم وبقية تقليعاتهم التي لا تسمن ولا تغني من سُخف، ويا ليتنا نقلدهم في تلك الأشياء الجميلة التي عندهم، مثل اهتمامهم الكبير بالإبداع والمبدعين في الحقول العلمية والأدبية كافة وتذليل الصعوبات أمامهم حتى يجدوا مساحات خصبة ينشرون فيها بذور إبداعهم.
إن السياسة الإعلامية لحكوماتنا العربية هي من أهم أسباب تهميش دور المبدع العربي في المجتمعات العربية، فأنظمتنا العربية عبر أدواتها الإعلامية المختلفة لم تمنح فئة المبدعين الحقيقيين أُفقاً رحباً يُحلقون فيه ويرسمون على امتداده أجمل ألوانهم، فوسائل الإعلام العربية تهتم بصدر وخصر وفخذ الممثلة والمغنية أكثر بكثير من اهتمامها بالمؤلفين والكُتب، ووسائل الإعلام العربية تنشغل دائماً بحفلات الرقص والغناء وتتناسى ندوات وأمسيات وتجمعات الكُتاب والشعراء والأدباء والمثقفين، ووسائل الإعلام العربية تتابع أهل التعري وقلة الأدب وتقوم بتهميش أهل الستر والأدب.
ولعل الطريف في وسائل الإعلام العربية أنها تحاول جاهدةً بكل استوديوهاتها وكاميراتها وميكروفوناتها ومذيعيها وترددات بثها ونفوذها أن تقوم بتلميع بعض الوجوه من أهل الطبقة الرخامية كي تقدمهم للشعوب العربية بصورة المبدع الحقيقي، ولكن هيهات هيهات، فأولئك المُلمعون إعلامياً من أهل تلك الطبقة الرخامية ما إن يظهروا في قناة تلفزيونية إلا ويقوم البسطاء من أبناء الشعب العربي بتغيير تلك القناة إلى أُخرى!، وما إن تُنشر أي مطبوعة عربية أي شيءٍ لأهل هذه الطبقة من الملمعين إعلامياً إلا ويقوم الكثير من أبناء الشعب العربي بطيِّ تلك الصفحة التي مُنحت لهم من دون أي اهتمام لها، وهذا هو قدرهم الأدبي الحقيقي!.
إن الإبداع هو تميزٌ في داخل الروح والعقل والقلب، شيء لا يصنعه الإعلام والتلميع، ولا يصنعه الثراء والنفوذ، وإن الشعوب العربية لن تقتنع أبداً بتلك الوجوه المُلمعة التي فُرضت عليها بالعافية!، وما عليك إلا أن تستعرض تاريخ الإعلام العربي منذ بداياته وحتى هذه الأيام وسوف تتأكد بنفسك أن الشعوب العربية أذكى وأجمل وأرفع من أن تنطلي عليها هذه السياسة الإعلامية الغبية.
أيها المبدع العربي الحقيقي، ما عليك إلا أن تموت، وفي موتك سوف تتذكرك وسائل الإعلام العربية ثم تبكي عليك وتولول ثم تقيم من أجلك حفل تأبين ثم تعرض شيئا يسيراً من تعبك الإبداعي الطويل عبر برنامجٍ عابرٍ أو رُبع صفحةٍ في أي جريدة.
أيها المبدع العربي الحقيقي، لك الله كلما أُغدِقت الأموال على المغنيات، ولك الله كلما حسرت عن جسدها فتاة الفيديو كليب، ولك الله كلما ألهب الجمهور الأجوف المسرح التافه بالتصفيق الحاد، ولك الله في عزلتك، ولك الله في صمتك، ولك الله وأنت على كُرسِيك في مكتبتك لوحدك لا أحد معك يُشاركك وحدتك سوى دفترٍ ضم جمالك، وقلمٍ كان نبضك، وفكرٍ شامخٍ لم ينحنِ للتوافه في يوم.
roo7.net@gmail.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق