فجَّر رفض قوى سياسية لإصدار مجلس الوزراء أي مراسيم ضرورة التساؤلات عن مصير العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومدى دستورية تلك المراسيم التي لجأت الحكومة إلى إصدارها خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير.
وتشعَّب الجدل الذي صاحب إصدار هذه المراسيم إلى مستويين دستوري وسياسي، ففي الشق الدستوري فإن أساتذة القانون الدستوري اتفقوا على أن مراسيم التدابير (الضرورة) تأتي في نطاق ضيق وفق ما جاء في المادة 71 من الدستور «في حالة ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير»، وهو الأمر الذي يرى فيه أساتذة القانون الدستوري أنها غير موجودة في مثل المراسيم التي اتخذت أخيراً، وأكد هؤلاء أن أي مرسوم قد يصدر بشأن قانون الدوائر أو تقليص عدد الأصوات يدخل في خانة الإجراءات غير الدستورية في حال صدوره، لا سيما بعد حكم المحكمة الدستورية الذي حصن هذا القانون وبالتالي تنتفي صفة الضرورة.
وفي تفسير الدستوري لفلسفة المراسيم التدابير وفق المادة 71 التي تنص على أنه «إذا حدث في ما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على ألا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية، ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائما، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك، أما إذا عُرضت ولم يقرّها المجلس بأثر رجعي فما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأي المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر.
إن الفلسفة الدستورية في نظرية الضرورة تعطي الحق للسلطة التنفيذية لإصدار «مراسيم بقوانين» تشرع عن طريقها حالات معينة، حددها الدستور في المادة 71 السالفة الذكر، فجعل للسلطة اللائحة للإدارة أن تصدر استثناءً مراسيم بقوانين في حالتين: الأولى هي حالة الضرورة التي نصت عليها المادة ذاتها، والمادة الثانية هي التفويض التشريعي الذي ورد في المذكرة التفسيرية للدستور.
ووفق المواد الدستورية، فإن لسمو أمير البلاد إصدار مراسم الضرورة، إلا أن الدستور قيّد تلك الاستخدامات بضمانات عدة، من أجل كفالة الاستعمال لهذا الحق في موضعه الصحيح، ومن تلك القيود القيد الزمني، الذي حدد لسموه رفع مثل تلك المراسيم في فترات لا يكون فيها مجلس الأمة متواجداً، إما في فترة حله وإمام في العطل البرلماني.
اختصاص أصلي
وتأتي هذه الحكمة لتؤكد أن مجلس الأمة هو صاحب الاختصاص الأصلي في التشريع، بينما أعطى الدستور الحق للحكومة في اللجوء لإصدار مثل تلك المراسيم لمواجهة «ضرورة طارئة لا تحتمل التأجيل.
أما القيد الثاني الخاص بطبيعة الإصدار، فإن الدستور وفق المادة 71 قلَّص استعمالات تلك المراسيم إلا في حالة «إذا حدث (..) ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، أي أن الغرض من إصدار المرسوم مواجهة شيء طارئ لا يحتمل التأخير حتى ينعقد مجلس الأمة، ولكن في طبيعة الحال تعرض على المجلس فور انعقاده.
التقديرات المالية
كما أنه لا يجوز أن تكون المراسيم مخالفة التقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية، بحيث لا يجوز نقل أي مبلغ من باب لآخر، ولا يجوز أن تستخدم السلطة بتجاوز الحد الاعلى للإنفاق الوارد في قانون الميزانية.
وفي القيد الأخير، فإن لمراسيم الضرورة قيداً زمنياً، والمقصود أن تلك المراسيم تأخذ قوة القانون بصفة مؤقتة، ولا يعني ذلك أنها قوانين لحين انعقاد مجلس الأمة، ثم يعرض للتصويت عليها، ويكون خيار الأعضاء إما في الموافقة عليه وإما رفضه، ولا يمكن في أي حال من الأحوال إجراء أي تعديلات عليه، كمثل التعديلات التي تجرى في المداولتين عند نظر أي من تقارير اللجان البرلمانية.
وفي مراجعة تاريخية، فإن أولى استخدامات الحكومية لإصدار مثل هذه المراسيم في تاريخ 29 أغسطس 1976 بعد إجراءات حل مجلس الأمة بطريقة غير دستورية، حيث نص الأمر الأميري في مادته الأولى على أن «يوقف بأحكام المواد 56 فقرات 3، 107، 174، 181 من الدستور، ونص المادة الثانية على أن يحل مجلس الأمة ويتولى الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة لمجلس الأمة بموجب الدستور، ونص في المادة الثالثة على أن «تصدر القوانين بمراسيم أميرية ويجوز عند الضرورة إصدارها بأوامر أميرية.
وصدرت خلال فترة 1967 إلى عودة الحياة النيابية في 1981 حوالي 458 مرسوماً بقانون وأربعة أوامر أميرية بالقوانين رقم 95، 60، 61، 62، لعام 1967.
وعادت السلطة إلى حل مجلس الأمة مجددا في عام 1986، وصدر خلال الفترة من 1986 إلى عودة الحياة النيابية في 1992 حوالي 420 مرسوما أميريا، وأمر أميري واحد.
وصدرت خلال الفترة من 1996 إلى 2008 حوالي 86 مرسوما أميريا (ضرورة)، مما يعني أن عدد المراسيم الضرورة التي أصدرتها السلطة منذ بدء الحياة البرلمانية في الكويت نحو 964 مرسوما، وخمسة أوامر أميرية.
وشهد مجلس الأمة أولى حالات النزاع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية عندما عرضت الحكومة مراسيم الضرورة التي أصدرتها خلال فترة حل مجلس الأمة حلا غير دستوري في الفترة من 1986 إلى 1992، والذي وافق على عدد منها ورفض البعض الآخر.
وفي هذه الحالات وجد مجلس الأمة أن جميع القوانين الصادرة من الحكومة خلال فترة غياب مجلس الأمة تندرج ضمن المادة 71 من الدستور، ومن حق المجلس مناقشته والنظر إما بالموافقة عليه وإما رفضه، وذلك فور عودة مجلس الأمة، بينما دفعت الحكومة بحجتها أن المراسيم بقوانين، وهي قوانين طبيعية صادرة من سلطة تشريعية ممثلة في الأمير الذي جمع بين السلطتين، وإن أراد المجلس تعديل هذه المراسيم، فإن عليه أن يصدر قوانين تعدلها في وقت لاحق.
وشهد مجلس الأمة 2003 مناقشة مرسوم الضرورة بشأن منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية، وأسقط المجلس جميع المراسيم التي صدرت، ومنها المرسوم السالف الذكر، باستثناء الميزانيات.
المصدر ” القبس “
قم بكتابة اول تعليق