شهدت فترة التسعينات من القرن الماضي انطلاقة جديدة للدراما الكويتية بعد العصر الذهبي لها في السبعينات ومنتصف الثمانينات، حين بدأت تقدم نصوصاً جديدة وأفكاراً غير تقليدية بوجود دعم غير منقطع من تلفزيون الكويت من خلال إنتاج مجموعة من الأعمال بطريقة المنتج المنفذ سنوياً وما رافقها من طفرة كبيرة في تطوير الأعمال ونشوء جيل جديد من المبدعين والفنيين والوجوه الفنية وظهور النجوم الشباب الذين تمت الاستعانة بهم من الدول المجاورة إلى أن أصبحت الكويت مقصداً لكل فناني الخليج على مدار العام.
وفي العامين الماضيين، بدأت تظهر أزمة توقف الإنتاج الدرامي بعد رمضان، وهي أزمة لم يعتد عليها الوسط الفني خلال السنوات العشر الأخيرة، فما الدوافع والأسباب؟ وما الآليات التي أوصلت الساحة الفنية إلى هذا الوضع؟… في هذا التحقيق يحاول عدد من فناني الكويت والخليج الإجابة عن تلك الأسئلة:
الفنانة هدى حسين اعتبرت أن الاستقرار السياسي في الكويت جعلها أكثر جذباً للإنتاج الدرامي في منطقة الخليج، «لكن هناك حالة من الهدوء لأمرين، الأول هو أن الصيف قد جاء قصيراً هذا العام وبعض الفنانين لم يرتح أو يسافر قبل رمضان، فخصص إجازته بين العيدين. كما أن قصر الفترة بين عيدي الفطر والأضحى جعل الكثير من المنتجين يؤجّلون الخوض في أي أعمال في الفترة الحالية، إلى جانب انشغال الفنانين الشباب بالمسرح».
وأضافت حسين: «ولكن إذا بحثت في الكواليس الآن فستجد أن هناك صراعاً حقيقياً على الأرض لحجز الممثلين والمخرجين والمؤلفين من أجل الزحمة المتوقّعة بعد عيد الأضحى»، معتبرة أنه من الصعب أن يتوقف الإنتاج أو يقلّ في الكويت لأنها هوليوود الخليج، والدليل هو تواجد عدد كبير من الفنانين الخليجيين على مدار العام».
أما الممثلة عبير أحمد، فرأت أن «تأخير تصوير الأعمال الدرامية إلى ما قبل رمضان بأشهر عدة هو نتيجة طبيعية لبحث المنتجين عن فضائيات يعرضون من خلالها أعمالهم في ظل الأزمة الاقتصادية نتيجة ضعف الإعلانات»، وأضافت: «لم تعد عملية التوزيع بالأمر السهل كما كان يحدث في السابق نتيجة زيادة عدد الشركات المنتجة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن الكثير من الأعمال يتم تحضيرها لشهر رمضان، لكنها لا تعرض بسبب عدد الأعمال الموجودة».
وأشارت أحمد إلى أن الفضائيات بدأت تقدم دراما جديدة في شهر رمضان فقط وتقوم بإعادتها للمشاهدين في الأيام العادية، لافتة إلى أن صناعة الدراما في العالم العربي لن ينصلح حالها إلا من خلال وجود رؤوس أموال لدى الشركات الفنية من أجل عرض عمل متكامل بدلاً من نصوص وأفكار تنتظر موافقة الفضائيات.
من جانبه، أكد الفنان إبراهيم الحربي أن عملية الإنتاج أصبحت مكلفة للغاية، ومن الصعب أن يغامر المنتج من دون أن يعرف إلى أين يتجه، وقال: «أصبحت القنوات الآن تشتري أربعة عروض خلال شهر رمضان، ثم تعيد عرضها بعد انقضاء الشهر بما في ذلك القنوات الكبيرة والأكثر مشاهدة والتي تحقق عائداً إعلانياً جيداً، وقد تعوّد الجمهور على ذلك في السنوات الأخيرة».
واعتبر الحربي أنه «أصبح لشركات الإعلانات دور مهم في صناعة الدراما وبدأت تشارك في إبداء الرأي ومنها التي يرفض رعاية المسلسل إلا بعد معرفة أبطاله، ناهيك عن دخول قوة مؤثرة الآن في عملية التسويق وهي السوق السعودي والتي أصبحت تنتج مجموعة من الأعمال التي يتم دعمها من أجل أن تعرض في فضائيات لها جماهيرية بسبب جلبها لمجموعة كبيرة من الإعلانات».
أما أحمد السلمان، فرأى أن غياب التنسيق بين المنتجين والموزعين والفضائيات تسبب بشلل حقيقي داخل الساحة الفنية، وقال: «هناك من يعمل في صناعة الدراما بطريقة بدائية من دون تخطيط حتى على المستوى الإعلامي، فالكثير من المنتجين لم ينتبهوا إلى أن الإعلام مهم جداً للتعريف بأعمالهم، فالمنتج لن يوزّع عمله إلا اذا كان له صيت إعلامي، وهذا ضعف قراءة للواقع».
وأشار السلمان إلى أن «بعض الفضائيات لا تسوّق الأعمال إعلانياً بشكل جيد اعتقاداً منها أنها الأفضل وكل المعلنين سيأتون إليها، وهذا غير صحيح، فالقنوات هي من ابتكرت السوق الموسمية للدراما، وكان يجب على المنتجين ألا يقبلوا بذلك أبداً لأنهم سيكونون معطّلين 6 شهور على الأقل، وإلى جانب ذلك فإن بعض الأعمال لم تستوعبها السوق الرمضانية بسبب هذه السياسة».
المؤلف بدر محارب شدد على أن المنتجين والقنوات يركزون على الدراما في رمضان لأنه موسم النجاح، «وإذا كان لا بد من تنشيطها بعيداً عن رمضان فيجب أن يكون هناك دور للمؤسسات الإعلامية الحكومية التي لا تخضع للربح والخسارة إذا كانت تؤمن بالفعل أن الدراما واجهة حضارية وثقافية للشعوب».
وأضاف محارب: «قد يتوقف كل من المنتجين والقنوات الخاصة عن الإنتاج بعد شهر رمضان لأنهم يعتمدون على أنفسهم في التوزيع والبيع والشراء، لكن يجب أن تكون هناك حلول أخرى، وهي العودة إلى المسلسلات التي يكون عدد حلقاتها 15 حلقة أو السباعيات، والسهرات الدرامية ونبتعد عن مسلسلات الـ 30 حلقة»، لافتاً إلى أن أشهر الأعمال وأكثرها جماهيرية لم تكن 30 حلقة مثل (درب الزلق)، (خالتي قماشة)، (خرج ولم يعد)، (الأقدار) وغيرها.
ومن جهته، اعتبر الفنان حسين المنصور أن «شراء الأعمال الدرامية بطريقة العروض في تلفزيون الكويت كان له دور في عملية الهدوء التي نشعر بها الآن، فقد كانت هناك تجربة ثرية للشيخ أحمد الفهد حين كان وزيراً للإعلام بإعطاء مجموعة من الشركات والفرق المسرحية أعمالاً درامية بطريقة المنتج المنفذ، الأمر الذي جعل هناك حال من الانتعاش وخلق جيلاً جديداً من الفنانين والمؤلفين والمخرجين وساهم في انتشار الدراما الكويتية خارج حدود الوطن بشكل كبير»، مشدداً على أن التلفزيونات الحكومية لم تعد تواكب الأحداث والتطوّرات الفنية وغيرها وهو ما جعل الجمهور يعزف عنها.
وأقر الفنان محمد العجيمي بأن «الدراما تواجه أزمة في كل شيء، نحن نضحك على أنفسنا إذا اعتبرنا أن كل شيء «وردي»، فعلى سبيل المثال هناك أزمة نصوص والسبب هو عدم إجازة بعض الموضوعات المهمة لأن الرقابة تقف بالمرصاد والدليل أننا نسبح في مكان مغلق والتكرار أصبح هو سيد الموقف، ولم يفكر أحد كيف انتشرت الدراما التركية بهذا الشكل لأنها تقدم حقائق تاريخية ونحن نقدم الهواش والمخدرات والطلاق والزواج ومن هنا هبطت الدراما وأصبحت تجارة موسمية تكاد تفقد بريقها».
وأضاف العجيمي: «لا يوجد لدينا موزعون جيدون، ولا يوجد رأسمال ولا شركات كبيرة، بل هي تجارة تخضع للواسطة والعلاقات والشللية والمحسوبية، هذه هي الحقيقة التي يخشى الكثير من قولها».
المصدر “الراى”
قم بكتابة اول تعليق