حامد الحمود: «الإخوان» والخطر على الدولة الوطنية

بعد تحذير القائد العام لشرطة دبي – ضاحي خلفان في نهاية يوليو الماضي من «مؤامرة دولية» تخطط للإطاحة بدول خليجية، وإضافته «أن على «الإخوان» وجميع حكومات دول الشام وشمال أفريقيا أن يعرفوا أن الخليج خط أحمر ليس على إيران فقط، ولكن على الإخوان أيضاً». وبعد تصريح الشيخ عبد الله بن زايد الأخير من خطر الإخوان المسلمين لعدم إيمانهم بالدولة الوطنية، تزداد الريبة والتوجس من النجاحات التي حققها «الإخوان» في مصر وتونس واليمن من معظم حكومات دول مجلس التعاون الخليجي. والحقيقة أن الخوف من «الإخوان» لا يرجع إلى اتهام بعضهم بالتورط في مؤامرة على دولة الإمارات، وإنما إلى انتشار نفوذهم السياسي على مستوى الشباب في منطقة الخليج والجزيرة العربية. فبعد سقوط أنظمة تسلطية واستبدادية في تونس ومصر وليبيا واليمن، وبروز الأحزاب التي شكلها تنظيم الإخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية، أصبح امتداد هذا التأثير لدول مجلس التعاون هاجسا يؤرق بعض القيادات السياسية في المنطقة. هذا مع العلم أن هذه الدول نفسها كانت تستقبل قيادات من «الإخوان» وتوظفهم مستشارين لها في الوقت الذي كان يزج برفاقهم في السجون في مصر وسوريا. فالإخوان كانوا دائما مقربين ومرحبا بهم عندما كانوا مضطهدين، لكنهم محل تحذير واتهام بالتآمر بعد سقوط حكام الاستبداد والفساد. وان كان الأمر يبدو متناقضا لأول وهلة، فإنه ليس بعسير على الفهم.

ويرجع ذلك إلى أن أغلب دول مجلس التعاون الخليجي ترى أن أي نمو لحركة سياسية محلية لها امتدادات عربية، خطر على الاستقرار السياسي لهذه الدول. ولربما أصبح الوضع أصعب أو الخطر أكبر لأنه لا يمكن توجيه الاتهام بحمل أفكار هدامة للقيم الدينية لطروحات هذا التنظيم، مثلما كان الاتهام يوجه للحركات السياسية العربية اليسارية والقومية. فيبدو أن متطلبات الإيمان بالدولة الوطنية من وجهة نظر بعض القياديين في دول الخليج والجزيرة العربية، هو عدم التأثر أو التفاعل مع رؤى أحزاب سياسية عابرة للحدود، وإن كانت عربية أو إسلامية. وقد انعكس ذلك في الموقف السياسي لدول خليجية نحو مصر بعد سقوط نظام مبارك وتولي «الإخوان» موقع الرئاسة. ولاحظ المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في تحليله المنشور في القبس بتاريخ 2012/9/9 أنه مع وجود اهتمام خليجي بتوفير المساعدات لمصر من قبل قطر والسعودية، فإن هناك فتوراً في تقديم الدعم المالي لمصر من قبل الكويت والإمارات لأسباب تتعلق بهيكل السلطة الذي أفرزته ثورة يناير.

ولا بد أن نختلف مع المواقف السياسية التي ترى أن «الإخوان» يعملون بالضرورة على تقويض أو إضعاف أسس الدولة الوطنية في الخليج العربي. هذا إلا إذا اعتبرنا أن أي رأي حول أسلوب إدارة الدولة ومدى المشاركة السياسية للمواطنين في تشكيل سياستها، تعد ومظهر لعدم الإيمان بالدولة الوطنية. وإن كانت نتائج الربيع العربي في طور تحول لم يكتمل فيه بعد تشكل بناه الداخلية والخارجية، فإنه بدا واضحا أن القوى السياسية الإسلامية، إن كانت «الإخوان» أو غيرهم، تلعب دورا كبيرا في توجيه اتجاهه. ففي هذا الجو الفكري الناتج عن تدني مستوى التعليم وانتشار الفقر، كان متوقعا أن تنال الأحزاب الإسلامية نتائج مميزة في انتخابات المجالس التشريعية. فالميول السياسية للأفراد أسهل أن تشكلها العواطف الدينية، لذا كان من الطبيعي أن تصل هذه الأحزاب إلى السلطة. ويبدو أن خلافاتها لن تنحصر بقوى أكثر انفتاحا، بل ان تحدياتها ستكون أكبر من قبل أحزاب دينية أخرى. بل ان أكبر تحد لحزب النهضة أو التنمية والعدالة في تونس كان من قوى وتيارات سلفية، مما يؤكد أنه مع أن الدين واحد فإن مفهومنا للدين مختلف. ولا يمكن أن نصبح أمة تساهم في الحضارة الإنسانية إلا اذا تشربت عواطفنا وعقولنا بمفهوم للدين يركز على الارتقاء بالقيم الانسانية وبسلوك الافراد. ولا اعتقد ان مفهوم الدين هو واحد لدى «الإخوان» أنفسهم. فالتجربة السياسية والمصلحة العامة يمكن أن تغيرا رؤاهم إلى اتجاهات أكثر انفتاحا. وربما كانوا هم الأنسب في الحد من نفوذ تيارات دينية أكثر تطرفا. ففي هذه الحالة من الوعي الإنساني السائد بين جموع شعوبنا، قد يعتبر «الإخوان» تيارا ليبراليا أو براغماتيا. ولا أدري ان كانت هذه النتيجة نابعة من يأس أو من قناعة تشكلت في عقلي وعواطفي مؤخرا لخوفي مما هو اكثر انغلاقا من «الاخوان».

د. حامد الحمود

Hamed.alajlan@gmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.