ضمن عروض المهرجان التي تتواصل، عرضت فرقة مسرح مراكز الشباب، التابعة للهيئة العامة للشباب والرياضة مسرحية «يوتوبيا العتمة» ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان،
وهي من تأليف علي البلوشي واخراج بدر شاكر المعتوق وسينوغرافيا أحمد البناي، ومخرج منفذ علي البلوشي، وفلول الفيلكاوي مساعد مخرج، وديكور نواف الربيعان، وأزياء منيرة الحساوي، وموسيقي حسن الرئيسي، ومكياج فهد الهاجري، واضاءة بدر المعتوق، وبسام المطرود مدير الانتاج.
اعتمد المؤلف في هذا النص على حوار فلسفي له دلالات سياسية بحتة، من خلال أربع شخصيات، الأول فلسطيني، والثاني مسيحي أوروبي، والثالث يهودي، والرابع القوى العظمى، وهو من يسيطر على الأشخاص الثلاثة، فالفلسطيني هو من باع أرضه، ويعاني الحصار والجوع، ويعيش عذابات الأسر، والقتل جراء عواصف من القذائف، والرصاص، واليهودي لايزال يتذكر مأساة الهولوكوست التي أودت بحياة جاره، وجده، وأبيه، وأخيه، والمسيحي هو من قام بالمأساة، والجميع لعبة بيد الرابع القوى العظمى.
بذل المخرج مجهوداً كبيراً في هذا العمل، مستفيداً من مشاركته في أكاديمية الفنون بالهيئة العامة للشباب والرياضة، وورش مسرح الشباب، ودراسته بالمعهد العالي للفنون المسرحية، في تقديم رؤية اخراجية مبدعة، تقترب كثيراً من فكر المؤلف، وسيطر بحرفية على العرض، والممثلين، خاصة في مجال تحريك الشخصيات، ما ساهم في تعزيز تعاطف الجمهور مع شخصيات العرض، بينما أبدع المؤلف في مادته تبسيط مادته السياسية الجافة بقلم جريء، وناعم، في الوقت نفسه، جذب ألباب المشاهدين، وساعده المعتوق في تقديم فكرته الجميلة غير التقليدية بعمق كبير.
وبالنسبة للسينوغرافيا، فقد تميز العرض بتشكيلات جذابة متنوعة في الاضاءة، جاءت ملائمة لكل مشهد حالة، وعكست حالات الشخصيات أمام عيون الحضور فكان الاختيار متقنا ومعبرا، وساعدت الموسيقى بدورها في تدعيم الفكرة التي قامت عليها المسرحية، من خلال «التلون» الذي نقل الحضور بين المشاهد، بانسيابية، وعلى المنوال نفسه، كانت الأزياء بسيطة معبرة عن الشخصيات، والأحداث، ولها دلالة مباشرة على قصة المسرحية.
في حين ظهر الديكور أكثر ابهارا بغرابته، اذ احتوى المسرح على ديكور مقلوب، بحيث أصبح السرير، والكرسي، والشبابيك، والطاولة، فوق على سقف المسرح، ما جعل الجمهور يعشق شكل المسرح، ويتعايش مع حوار الشخصيات، وذلك من خلال جملة «الأرض فوقنا»، وعلى الرغم من تميز ديكور العرض فإن المخرج لم يستغل أول 3 أمتار من المسرح.
وحول أداء أبطال العرض فقد جاء مقنعا، ربط بينهما «هارموني» جميل أضفى جمالا للصورة البصرية لدى الجمهور، فقد كان الاداء التمثيلي عنصرا بارزا في العرض، ونجح المخرج في ضبط الايقاع، وأتقن كل بطل دوره بالعرض، ويبدو أنهم تدربوا جيداً لفترة طويلة على الأداء وتقمص الشخصيات. فلكل هؤلاء الشباب تحية على مجهودهم، وجديتهم، وهم: عبدالله البلوشي، عبدالله الحمود، بدر البناي، أحمد العوضي، عبدالعزيز النصار.
يذكر ان فرقة مسرح مراكز الشباب قد فازت بجائزة أفضل عرض متكامل من خلال مسرحية «الزوال الثاني» في الدورة السابعة لمهرجان أيام المسرح للشباب، وفاز بدر شاكر المعتوق عن هذا العمل بجائزتي أفضل مخرج، وأفضل اضاءة، وفاطمة المسلم أفضل نص، ومنال الجارالله بأفضل مكياج، وعبدالله الحشاش أفضل مؤثرات صوتية.
كما أشاد النقاد خلال الحلقة النقاشية التي أعقبت عرض مسرحية «يوتيوبيا العتمة» بروعة العمل، وتكامل أدوات كل من المؤلف، والمخرج، لابراز لوحة فنية مبدعة.
في البداية، أكد الأستاذ بالمعهد العالي للفنون المسرحية الدكتور أيمن الخشاب ان المؤلف لم يترك لنا الفرصة لتناول العرض المسرحي من منظور انساني، بل اضطرنا الى التناول السياسي، لافتا الى ان الشخصيات الثلاث العمياء، التي جسدت الفلسطيني، واليهودي، والأوروبي، وجميعها وقعت ضحية للشخص الرابع المبصر، الذي مثل القوة العظمى التي مارست القهر ضدهم جميعا.
ورأى الخشاب ان الحوار الذهني بالعرض استطاع ان يخلق حالة درامية، تجعلنا نتفاعل معها، بغض النظر عن التعاطف مع شخصية اليهودي الذي يتباكى على الهولوكوست بنفس القدر الذي تعاطفنا فيه مع الفلسطيني الذي خسر أرضه، مشيرا الى التناغم الواضح بين فكر المؤلف، ورؤية المخرج، الذي قدم الفكرة، وعمقها بشكل واضح، ونجح في توظيف الممثلين على المسرح، فكان الأداء التمثيلي عنصرا بارزا جدا.
ومن جانبه، قال رئيس فرقة مسرح مراكز الشباب وليد الأنصاري ان الكويت كلها تفخر بهذا العمل، لأن هناك تمازجا رائعا بين المواهب المبدعة، مشددا على ان الكويت ولادة للفن والمسرح الكويتي لايزال بخير.
وبدوره، قال الناقد حمد بدر ان المؤلف علي البلوشي طرح فكرا عربيا جميلا غير مستورد، الا أنه جعلنا نتعاطف مع اليهودي، وهنا نرفض فكر السامية، ونناهض كل من يتعدى على عروبتنا، ففلسطين هي معاناة كل عربي، وستبقى عربية.
ومن جهته قال الأستاذ بالمعهد العالي للفنون المسرحية دخيل الدخيل: «المؤلف قارئ جيد استطاع ان يبرز قضية انسانية، والمخرج نجح في تجريد مفردات النص، الا أنني أرى ان الديكور كان ساكنا صامتا».
في حين طالبت الناقدة عواطف البدر بعرض مثل هذه الأعمال الواعدة على تلفزيون الدولة، حتى تحقق قدرا أكبر من المشاهدة، ويستمتع بها الجميع.
وقال المخرج علي العلي: «رأيت اليوم عرضا مسرحيا مؤثرا احتوى صورة ذهنية رائعة يصعب نسيانها»، متسائلا: كم فلسطين موجودة اليوم في عالمنا العربي؟ لافتا الى ان الاحتلال الفكري أخطر بكثير من احتلال الأرض.
وبعد التعقيبات، علق المخرج بدر المعتوق قائلا: «الصمت الذي جاء بالعمل يعكس اجبار القوة العظمى، التي تحدد متى يكون الصمت؟ ومتى يكون الكلام؟، فكلاهما محدد مسبقا، مشيرا الى ان كتابة النص استغرقت نحو أربع سنوات كاملة، بسبب التعديلات التي أدخلت عليها.
أما المؤلف علي البلوشي فاكتفى بتوجيه الشكر لكل فريق العمل، متمنيا النجاح في أعمال مقبلة.
المصدر “الوطن”
قم بكتابة اول تعليق