محمد المقاطع: أغلبية ردة الفعل.. بلا برنامج

الأغلبية الحالية في مجلس الأمة هي أغلبية ردة فعل، وقد سبق أن أشرت بمقال سابق إلى كونها انشطارية، لأن تكوينها أساسه ليس التقاء بين كتل متجانسة أو مرتبطا ببرنامج محدد، فضلا عن وجود عدد من المستقلين، بل ان بعضهم لا يلتقي مع معظم تكوين الأغلبية بكل شيء، لكنه وجد فرصته في الانضمام لمجاميع سياسية ليستفيد منها لأجندته الخاصة، وحتى يتجنب محاربتهم له مستقبلا، لأنه عارف أنه لن يستمر. ولذا، فإن الأغلبية ولدت لغرض محدد هو التعبير عن رفض الفساد بصورة عامة وتأمين انتخاب الرئيس وتأليف اللجان، وإظهار أولويات متواضعة لتجنب نقد الناخبين، ولكل تلك الأسباب فإنه ليس مستغربا أن يغرد عدد كبير من أعضاء الأغلبية خارج التنسيق أو بالتوافق معها، ولا أرى شخصياً أي مفاجأة في ذلك أو في تفككها. ولذا، فإني لم أكن أرى فيها أهلية مناسبة لتكوين حكومة ائتلافية، ولو تم ذلك لكان الأمر أكثر سوءا اليوم. خلافا لكل التوقعات المتفائلة منذ تكوين كتلة الأغلبية كنت أكثر واقعية، إذ أرى فيها أغلبية مؤقتة وغير متماسكة وغير قابلة للاستمرار، خصوصا أنها تضم عدداً من الأعضاء الذين يبحثون عن البطولات الشخصية حتى لو كانت وهمية، كما سيتعمد البعض منهم أن يحاول أن يسخر تلك الأغلبية لأجندات خاصة، وقد ذكرت ذلك لعدد من النواب. وقد بدأت مظاهر التسابق السياسي والأجواء التصعيدية التنافسية التي تثير العديد من التساؤلات وتهدد عقد الأغلبية بالانفراط. ان الحكومة دائماً مطالبة وتتحمل مسؤولية تحقيق التنمية والتقدم للبلد، ولا عذر لها بتحميل أي طرف آخر مسؤولية ذلك، وعليها أن تدرك ان الدفع ببرنامجها إلى الأمام وتحقيقه يجب ألا تبحث فيه عن أغلبية تدعمه، بقدر ما تكون إرادتها السياسية للقيام بذلك واضحة وحاسمة وغير قابلة للمناورة أو المساومة، تظهرها وتدافع عنها ولا تبدي أي تراجع أو تردد بهذا الشأن، وفي هذه الحالة تحديدا ستتمكن من كسب تأييد معظم الأعضاء، سواء في خانة الأغلبية أو خانة الأقلية، متى رأوا فيها الإيمان ببرنامجها وخططها والإصرار على المضي بذلك، وقد أنجزت الحكومة هذا بطريقة تعاطيها مع استجواب رئيسها من دون تخوف أو هلع وبثقة في جلسة علنية حققت سابقة برلمانية جديدة مهمة حازت بها احترام الجميع، وتم وأد استجواب رئيس الوزراء في مهده.
أما على الجانب الآخر، فإن الأغلبية، رغم هشاشة روابطها وأسباب استمرارها، ستتحمل عبء فشل أداء الحكومة في تحقيق برنامجها السياسي والدفع بالتنمية للأمام، بعد أن قبلت الحكومة بالتحالف السلبي مع الحكومة عن طريق منحها الوقت الكافي (6 شهور) لتمكينها من حالة الاستقرار السياسي من دون تعريضها لعواصف المساءلات السياسية الجانبية وغير المقنعة، والتدافع في سباق الاستجوابات بدلا من التعاطي مع البرنامج السياسي وإقراره والتعديل عليه، والتعاون في سن جملة التشريعات المحققة لذلك. وإذا كانت خطوات التعجل بإثارة المساءلة على النمط الذي كان سائدا في المجالس السابقة قد أخذت مجراها فعلا في هذه اللحظة، والتي بدأت سهام الاستجوابات تخرج من كنانتها، فهناك استجواب لوزير الداخلية، بل ربما اثنان، وآخر لوزير الأوقاف، وثالث لوزير المالية، ورابع لوزير البلدية، وربما للشؤون، ولا نعلم ماذا تحمل الأيام المقبلة من تدافعات سياسية جديدة، فإن الأغلبية ستبدأ بالتصدع، خصوصا أن البعض لا يستطيع أن يعيش أو يتعايش في أجواء الاستقرار والتنمية، فهذه أحوال تأخذه بعيدا عن الأضواء، وهو لا يحسن غير الإثارة والتصعيد. ولذا، فإن على الكتل المؤهلة ضمن هذه الأغلبية أن تقود المبادرة في تنقية الأغلبية، فوجود 25 عضوا متماسكا ومنسجما ومتفاهما أفضل من وجود ثمانية إضافيين عليهم، يشكلون عبئا ومصدرا لتصدع الأغلبية بسبب أجندات خاصة، وقد سبق أن أثرت أن طريقة التعاطي مع لجان التحقيق بتشكيلها وتعددها غير اللازم واختصاصاتها المتعدية تشكل تحفظاتنا الدستورية والقانونية في ظل اندفاع سياسي لاحتمال تأخر المساءلة بواسطة الاستجوابات، لتكون بديلا لإظهار الصوت السياسي الرقابي، ولكن بكل أسف في مسار خارج سياقه الطبيعي.
وخلاصة لما سبق، فإن أغلبية ردة الفعل غير القائمة على برنامج سياسي هي مؤقتة، ويخشى من توظيفها في قضايا وأجندات خاصة من قبل البعض، ومن ثم تكون نتائجها سلبية أو عكسية على الأغلبية الطارئة وغير المجدية للبعض بتداعياتها السياسية المؤلمة والعودة للمربع الأول.
اللهم اني بلغت،

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع
dralmoqatei@almoqatei.netالمصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.