جاسم بودي: الفريق الثالث .. من يدفع الثمن

في واجهة المشهد السياسي الكويتي اليوم فريقان ظاهران لا ثالث لهما.
فريقان يتباعدان في الشكل دائما ويلتقيان في المضمون احيانا.
فريقان، الأول اسمه الحكومة، والثاني اسمه المعارضة.
فريقان يحرقان الأخضر واليابس من أجل اثبات صوابية القرارات والمواقف ويجتهدان لتثبيت انفسهما في مواقع متضادة متناقضة لكنهما يشتركان احيانا في استخدام الأسلحة المحرمة وطنيا مثل اللجوء إلى الخطاب الطائفي والغرائزي والقبلي… ويشتركان أكثر في مساعدة بعضهما لبعض عن طريق الاخطاء والخسائر التي تصبح أرباحا في مصلحة الطرف الآخر. بمعنى آخر، لا تخيب الحكومة ظن المعارضة إذا قامت الأخيرة بحركة خاطئة أثارت استياء الكويتيين فتعمد إلى اتخاذ قرارات خاطئة ومواقف مستفزة تعيد للمعارضة مصداقيتها أو تعطيها أوراقا جديدة للتحرك تنسي الناس الاخطاء السابقة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعارضة التي كلما استاء الناس من المواقف الحكومية رفعت سقف اللغة والتحرك إلى مستويات لم تألفها الكويت الأمر الذي يدفع الناس إلى التراجع ونسيان اخطاء الحكومة.
فريقان يختلفان كثيرا ويتفقان أحيانا… الفارق بينهما ان الحكومة لا مشروع لديها ولا اساليب تحرك ولا حلول الا بالذهنية القديمة وبالوسائل القديمة والتفكير القديم الذي لم يتغير منذ عقود، بينما المعارضة تطور مشاريعها وتنوعها وتستخدم أساليب جديدة لم تألفها الكويت. الحكومة ترى ان ما قامت وتقوم به جيد وتغييره مغامرة، والمعارضة لا تمانع في خوض غمار المغامرة لتغيير النهج الحكومي. الحكومة تعد بأنها ستفعل وتطور من دون الافصاح عما ستفعله وتطوره، والمعارضة تفصح بوضوح انها لا تتحرك فقط من أجل الدوائر بل لتعديل النظام السياسي القائم برمته ويذهب قياديون فيها إلى تفصيل شكل الحكومة المقبلة وتحديد رئيسها وما إلى هنالك من مواقف سمعها الكويتيون على مدى الأسابيع الماضية.
فريقان يختلفان كثيرا ويتفقان احياناً… لكن في الكويت فريق ثالث اجزم انه الأكبر والأوسع انتشارا ومع ذلك لا يجد مساحة للتعبير عن نفسه أو تحديد مواقفه، وهذا الفريق لا يتفق مع الحكومة في شيء ولا يلتقي مع المعارضة في أشياء ويخشى من سهام التصنيف والتخوين ان هو رفع الصوت.
الغالبية الكبرى من الكويتيين مستاءة من أداء الحكومة والحكومات السابقة. غالبية تعتبر ان من يغطي تقصير الحكومات فكأنما يغطي الشمس بمنخل (أو غربال). لا حاجة نهائيا لتكرار الامثلة عن الفساد والتخلف وسوء الادارة واختيار الاشخاص الخطأ في المراكز التي تحتاج إلى كفاءات وتفشي الواسطة والمحسوبيات والرشاوى، واعتماد اسلوب الصفقات السياسية الرخيصة مع هذا الفريق السياسي او مجموعة من النواب نتيجتها حشر الإدارات والوزارات بعديمي الكفاءة وتوزيع «العطايا» والمنح والصالات والقسائم، وعدم تطبيق القانون واضعاف هيبة الدولة واعتماد سياسة التغاضي هنا والتشدد هناك… لا حاجة لتكرار الامثلة فالمجلدات لا تكفيها، لكن من سيتحدث عن ذلك دائما بهدف التنبيه والإصلاح فسيجد نفسه فورا في دائرة التصنيف: انت مع المعارضة التي تحركها مصالح قيادييها واطراف خارجية.
والغالبية الكبرى من الكويتيين مستاءة من أداء جزء مهم من المعارضة الحالية، لجهة اعتماد خطاب استفزازي خارق لما جبلنا عليه من اعراف وتقاليد وقيم ناهيك عن الدستور والقانون خصوصا في الحديث عن المقام السامي، وايضا لجهة الشحن الطائفي والمناطقي الذي يقوم به البعض ويصور الأزمة وكأنها مع فئة محددة من الناس أو لجهة التحريض ضد أشخاص بعينهم أو لجهة التصنيف وتوزيع شهادات الوطنية. والغالبية الأكبر من الكويتيين ترفض المواجهات مع رجال الأمن كما ترفض تماما تعسف رجال الأمن، وترفض انتشار ثقافة الكراهية من خلال التعبئة المستمرة عبر وسائل التعبير الالكترونية.
الغالبية الكبرى من الكويتيين لا ترفض التغيير بل ترفض من يرفض التغيير، لكنها تريد ان يبني دعاة التغيير برنامجهم على الواقعية لا على الشعارات. التغييرات في النظام السياسي الكويتي ليست تعديلات دستورية أو انتقال رئاسة الوزراء من «شيخ» إلى «شعبي» فحسب. هي تغييرات في الانماط والسلوكيات الاجتماعية والاقتصادية. منظومة كاملة ستتحول من وضع إلى آخر. طريقة اتخاذ القرار ستختلف. الطرق التي سيسلكها القرار ستختلف وجهتها. من سيتأثر بالقرار لن يكون الحكومة أو المعارضة بل عموم الكويتيين.
والغالبية الكبرى من الكويتيين لا تلمس حقيقة لدى المعارضة سوى الاتفاق على شعارات المرحلة الحالية، أما بالنسبة لما سيأتي من برامج ومشاريع فلا احد يملك الجواب، بل لمسنا الجواب عند الغالبية السابقة لدى محاولاتها الاتفاق على الأولويات حيث نشبت الحروب الكلامية بين من يريد اسلمة الدستور ومن يريد تعديل مواده ومن يريد الابقاء عليه. بل أكثر من ذلك، كاد عقد المعارضة (الغالبية سابقا) ان ينفرط لمجرد نقل وزير أحد القياديين من عمله… الفريق الكويتي الثالث ان تحدث عن هذه الامور وناقشها باللغة الهادئة نفسها فسيجد نفسه فورا في دائرة التصنيف: انت حكومي مستفيد انبطاحي خائن لشعبك رافض للحراك السياسي…
الفريق الثالث في الكويت هو الأكبر، لكنه الأصغر مساحة في الحضور، والأقل قدرة على التعبير، والأضعف صوتا. لسبب بسيط وهو انه لا يعرف لغة الدفاع عن الحكومة وشتم معارضيه كما نشاهد اليوم، ولا يعرف لغة الاساءات والتخوين والتصنيف في الهواء الطلق كما لا يستحيل ان يعرف طريق المواجهة في الشارع.
غياب قدرات الفريق الثالث على ايصال صوته وعرض مواقفه قد يكون مشكلة المشاكل في الزمن الذي نعيشه، وعندما يغيب النسيج الأكبر عن المشاركة في صنع القرار بفعل النهج الحكومي تحديدا يصبح على الغالبية الكبرى من أبناء الكويت دفع الثمن مرتين… ولن نشرح اكثر.

كل عام وانتم بخير.

جاسم بودي

المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.