حسن كرم: الواسطة لا تحتاج إلى قانون يا سمو الرئيس..

في لقاء أخير جمع سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح مع عدد من الشباب الكويتي الناشط في مجال العمل الوطني، تمحور اللقاء حول مسألة الواسطات التي تنخر كالجرثومة الخبيثة في جسد مجتمعنا، فينال راعي الواسطة على مبتغاه برداً وسلاماً متخطيا القانون ومتخطيا المستحق الملتزم بالقانون والذي يأبى أن يخضع لمذلة الواسطة، وكان جواب رئيس الوزراء على مطالبات الشباب هو أن منع الواسطات يحتاج إلى قانون..!!
ولعلي هنا لئن أتفق مع رأي سمو رئيس الوزراء بضرورة إصدار قانون يحظر على المسؤولين كبارهم وصغارهم تلقي الواسطات، إلا أن أهم وقبل وبعد القانون يظل ضمير المسؤول هو الأهم، فالقانون لا عيون له ولا قلب، لكن المسؤول هو الذي في رأسه عقل وفي وجهه عيون ويفترض أن يفهم أن الدولة وجدت لكل المواطنين وأن الدستور والقوانين قد ساوت بين الناس لكل الناس، فلا فرق بين من كان صديقه وزيراً أو جاره نائبا ً أو خاله وكيل وزارة، فنحن جميعا نستظل بخيمة الدستور والقانون، ويفترض أن نتعامل على أساس أن الحقوق متساوية. فلا فرق بين ابن المناطق الداخلية وابن المناطق الخارجية أو ابن القبيلة وابن الطائفة أو ابن زيد على عبيد، ولكن إذا فسدت الضمائر يقينا تفسد الدولة وتضيع الحقوق وتنتهك القوانين..!!.
للأسف، فلكي تغطي الدولة فشلها وتخلفها ابتدعت الواسطة، ولكي تبعد المحاسبة وتُغيب الرقابة بذخت وأسرفت في العطايا من مال ومزارع وقسائم وعضويات شرفية ومناصب تكريمية لاعضاء مجلس الأمة ولأقربائهم أو لناخبيهم، وقد أوجدت وظائف ومناصب وإدارات وهيئات وهمية لا قيمة حقيقية وفاعلة لها في مسيرة الدولة التنموية والاقتصادية، كل ذلك ترضية وشراء للضمائر الرخيصة..!!.
إن الديموقراطية التي نتفاخر بها أمام العالم، لكن في الداخل مثل المرض السرطاني الذي انتشر في أضلاع ومفاصل وشرايين المجتمع، حتى أنهكه وجعله مجرد مجتمع مريض عاجز عن تلبية احتياجاته اعتمادا على ذاته وإنما لابد أن يتكل على الغير..!!.
لقد أوجدوا كل الآحاييل والأساليب الفاسدة لتغطية المفاسد وتغطية ضعف وتخلف الإدارة، فالواسطة إحدى الأدوات التي أوجدوها مرادفة لقتل أو لإنهاك الديموقراطية، لذا لم تنجح الديموقراطية في نقل بلادنا إلى مصاف البلدان المتقدمة، ولا الواسطة ساوت بين المواطنين بل لعل الحقيقة كلتاهما كانتا خراب بيوت وخراب ضمائر وأنتجت التخلف والفئوية والموالاة والمعارضة، وألقت ببلادنا في آخر صفوف البلدان.
لا غضاضة من الواسطة إذا وُجدت في شقها الإنساني كمساعدة الضعيف أو العاجز، أو المعتل لأنها تبقى واسطة خير التي أوصانا بها ديننا الحنيف، وهي بذلك تكون مجلبة للخير والمحبة والتآلف ومقاربة القلوب، ولكن الواسطة التي تتجرأ على الحق وتخالف القوانين وتسلب الحق من المستحق وتعطيه إلى من لا يستحق فذلك لعمري هي الواسطة البغيضة التي تغضب من في السماء ومن في الأرض وتغير القلوب وتنفر النفوس وتشق لحمة الوطن وتثير الحسد والفتنة بين الناس..!!
يقيناً، الواسطة لا تحتاج إلى قانون بقدر الحاجة لضمائر حية طاهرة، الواسطة حتى نمنعها نحتاج إلى نفوس زكية أبية تعرف الحق وتنبذ الباطل، ولكي نمنع الواسطة نحتاج إلى موظفين أكفاء واثقين من أنفسهم ومن قدراتهم، يعرفون القوانين ويطبقونها بمعيار واحد على الجميع.. لا يعيرون أهمية لتوصية أو اتصال هاتفي أو مراجعة من نائب أو من وجيه أو من ناقد أو صاحب حظوة. مثل هذا الموظف متى ما وجد أكيد لا تعرف الواسطة طريقها إلى باب مكتبه، وإنما يكون القانون صديقه وظله المرافق وبالتالي فالناس عنده كلهم واحد.
إن الواسطة مرض سرطاني جرثومي قاتل أنهك المجتمع وللقضاء عليه لا نحتاج إلى قانون وإنما نحتاج إلى علاج جراحي عميق يجتثه من الجذور. وهذا لن يتأتى إلا بعصرنة الإدارة الحكومية. وبوجود موظفين اكفاء ثانيا وتطبيق الشفافية أخيرا.
إن التعلل بالقانون هو تغطية وهروب وعجز من الحكومة عن تحديث وتطوير أدواتها الإدارية ومنع الواسطات..!!
يا سادة علة الواسطة في الإدارة لا في القانون…

حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.