لو كنت مكان منظمي مسيرة «كرامة وطن 2»، المزمع تنظيمها يوم الأحد المقبل، لقمت بتقديم طلب ترخيص للمسيرة إلى وزارة الداخلية، لكي يضعوا الكرة في ملعب الحكومة على قاعدة «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم». مع قناعتي الكاملة بأن قانون التجمعات القائم بُني بعقلية قمعية تسلطية، لمنع الناس من التعبير عن آرائهم بحرية، إلا أن الواقع يقول إن الجزء الخاص بالتجمعات العامة والمسيرات في هذا القانون لا يزال قائما.. وبالتالي، ينبغي مراعاته حتى مع عدم اقتناعنا به.
الأسس التي على أساسها أبطلت المحكمة الدستورية الجزء الخاص بالتجمعات الخاصة، هي الأسس ذاتها التي تحكم التجمعات العامة والمسيرات، وهي حرية التعبير التي يجب أن تكفلها الدولة للجميع، ولا يجوز أن تمنعها أو تقيدها، كما فعلت وتفعل الحكومات المتعاقبة منذ صدور هذا القانون المعيب الذي لا يستحق الاحترام.
إذا ما قدم القائمون على المسيرة طلب الترخيص لوزارة الداخلية، فإنهم سيكشفون تسلل وزارة الداخلية، التي تدعي أنها تطبق القانون – مع أن الواقع يُكذب ذلك – فإذا ما رخصت وزارة الداخلية للمسيرة – وهو أمر مستبعد – فيكون قد تحقق للمنظمين والمشاركين ضمان عدم التعرض للمسيرة بسوء من قبل رجال الأمن، وسوف يُسجل لهم موقف احترام القانون. أما إذا رفضت وزارة الداخلية الترخيص للمسيرة – وهو الأمر المرجح بقوة – فذلك سيسجل كنقطة إضافية ضد الحكومة التي تتشدق بحرصها على تطبيق القانون، وسيظهرها بشكل جلي أمام الجميع بأن «القانون لعق على لسانها»، وأنها تستخدمه لأغراض سياسية، وعندها سوف يكون من حق المشاركين الخروج بالمسيرة من دون ترخيص، لأن وزارة الداخلية عندها سوف تظهر على أنها هي التي لا تحترم القانون ولا تسمح للناس بحق التعبير السلمي كما كفله الدستور. وهناك أمر إيجابي آخر في التقدم بطلب ترخيص المسيرة، وهو أن يعرف الناس هوية القائمين على هذه المسيرة، حتى لا يختلط الحابل بالنابل، وحتى لا يدعي الكثيرون وصلا بليلى.
إذا كانت نصيحتنا لمنظمي المسيرة هي التقدم بطلب لترخيص المسيرة، فإن نصيحتنا للحكومة بألا تمعن في ارتكاب الأخطاء الكارثية، وما أكثرها، وعليها ألا تذهب بعيدا في اعتماد الخيار الأمني، لأنه لم يكن يوما حلا للمشاكل. ينبغي على وزارة الداخلية أن ترخص للمسيرة، إذا ما قدم لها طلب بذلك، بل ان تسمح بخروج المسيرة، حتى لو لم يتم تقديم طلب الترخيص، لأن الحكمة تقتضي أن يُسمح للناس بالتعبير عن وجهة نظرهم، لتخفيف الاحتقان والشحن الحاصلين في المجتمع، وخصوصا مع تأكيد المنظمين على سلمية المسيرة، فحق التعبير حق إنساني أصيل يسمو على الدساتير والقوانين. لا تحتاج الحكومة إلى مصائب فوق مصائبها.. لذلك، فإن الأفضل لها السماح للمسيرة بالخروج، حتى لا تزيد نقمة قطاع كبير من الناس عليها.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق