يبدو أن الوضع السياسي قائم على الفعل ورد الفعل و«الفعل المضاد»، المرتكز غالبا على «العناد» في قياس الأمور، ويظهر هذا جليا في ما نشهده الآن من حملتي «قاطع» البرتقالية، و«سأشارك» الزرقاء، المتعلقتين بالانتخابات المقبلة، متغافلين أو متناسين أن المشاركة في الانتخابات حق أصيل لكل من قيّد اسمه في سجلات الناخبين، أما إعلان المقاطعة أو عدم المشاركة، الفردية أو الجماعية، فهو اختيار للتعبير عن رأي أو لتسجيل موقف سياسي أو لعدم قناعة بالمترشحين، وهو حق مكتسَب للناخب.
وبين هذين الحقين (الأصيل والمكتسَب) يفرّق معظم الكويتيين بين طائفة البرتقالي وطائفة الأزرق، متجاوزين الاختلاف إلى الخلاف والتقاتل اللفظي واستخدام مفردات التخوين والتحقير وعبارات الإقصاء، وذلك عبر ما نقرأه في «التويتر».. فهل يُعقل أن يوصف من يريد استخدام حقه الانتخابي ــ ترشيحا وانتخابا ــ بأنه سيذهب إلى مزبلة التاريخ؟! مما أضاع صوت البقية، خاصة الذين لديهم مواقفهم المبنية على قياس الأمور بعقلانية وواقعية لما قد يكون الأنسب للمستقبل، بعيدا عن ردة الفعل العاطفية والعناد والخطاب الإقصائي.
وأفراد هذه الطائفة الثالثة الرافضة للونين البرتقالي والأزرق، عليهم تقع المسؤولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والتعامل مع القادم من الأحداث بميزان التعقّل والهدوء والواقعية، وأن يكون صوتهم ـــ قدر الإمكان ـــ هو الحاسم، مقدِّرين أهمية المرحلة واستحقاقاتها السياسية والدستورية، لأن الاختلاف ما دام في إطار الدستور فهو مقبول، أما إذا تحوّل الى صراع سياسي، فقد يؤدي إلى تبعات مجهولة العواقب إن لم تكن خطيرة.
كم نحتاج إلى طريق ثالث، إلى اللون الثالث، إلى الصوت الثالث العقلاني المتأمل والمقدّر لما تحمله الأيام المقبلات، كم نحتاج إليه ليتحمّل مسؤوليته المقبلة.
الاختبار الحقيقي سيكون في الأول من ديسمبر المقبل، القرار الحاسم (ما لم تستجد ظروف حتى ذلك التاريخ)، النظر إلى أبعد من أرنبة الأنف، حتى لا نندم على قرارات لم نحسب عواقبها!
آخرا وأخيرا، نجدد التأكيد أن المشاركة أو المقاطعة حق لكل ناخب، وليس مسموحا بأن يسلب أحدهما حق الآخر، وإلا دخلنا في النهج «الدكتاتوري» الفعلي. والسؤال إلى المقاطعين: إذا جاء تشكيل المجلس المقبل من أغلبية ساحقة ممن يسمونهم حكوميين أو انبطاحيين أو مجلس قبّيضة، أو جاء المجلس ــ كما هو متوقع ــ ضعيفا بصّاما لا يقوم بدوره التشريعي والرقابي، من يتحمّل مسؤولية هذا المجلس؟ أليس الناخب بقراره، سواء بالمشاركة أو بالمقاطعة أو باختيار المرشح «الأصلح»؟
أسيل عبدالحميد أمين
aseel.amin@hotmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق