محمد المقاطع: الخطاب المقنع

رغم شدة الأزمة التي تمر بها البلاد منذ أعلن عن المرسوم بقانون لقصر قدرة تصويت الناخب على صوت واحد بدلا من أربعة، والتصعيد هو الذي يتسيد المشهد السياسي، وأسلوب الفرض وشحن الأجواء يتحكم في الطرفين، ولم يتم حتى اللحظة أي خطاب باتجاه الاقناع واقامة الحجة بمنطق سياسي أو قانوني، وهذا هو السبب للانقسام المتزايد في الساحة بشأن الموضوع، فكلا الطرفين فاقد للخطاب المقنع ومنطق الاقناع، واليكم بعض ما أقصد:

– فالقول المرسل بحق اصدار المراسيم بقوانين بمجرد غياب مجلس الأمة، كما لو كان ممارسة اعتيادية من دون قيد أو ضابط، أمر يجافي منطق القانون، فهو حق لا جدل فيه لكن الضرورة أهم قيد عليه.

ـ كما أن مجرد وصف اصدار المراسيم بقوانين بأنه انقلاب على الدستور، هو وصف مضلل، لأن تلك سلطة مقررة بالدستور فكيف تكون ممارستها انقلاباً عليه؟!

-ان تقدير ظرف الضرورة الموجبة لاصدار المرسوم بقانون سلطة تقديرها بيد السلطة التنفيذية وحدها لا تحتاج الى موافقة أو إذن مسبق من أي طرف، والا كان ذلك خروجا على أحكام الدستور، لكنها تخضع لرقابة القضاء والمجلس تاليا لصدورها قبولا أو رفضا. وقد سبق للقضاء في الكويت أن أكد أن تقدير الضرورة بيد السلطة التنفيذية أعوام 1982 و1996 و2008.

ـ ان الضرورة ليست حالة عامة بل يجب تبريرها لكل مرسوم بقانون على انفراد – للرأي العام – كي يقتنع سياسيا – وأمام القضاء – كي يراقبها قانونيا، حتى يرى ان كانت متوافرة أو شابها تعسف في تقديرها، وفي جميع الأحوال يلزم أن تكون لضرورة حالة بالتفسير الضيق لنص المادة 71 أو مستمرة أو متجددة وفقا لنظرية الضرورة كما أشارت اليها المذكرة التفسيرية وكما يحكمها مبدأ أن الضرورة تقدر بقدرها.

ـ ان تغيير النظام الانتخابي يتنازعه بعدان: أولهما، التوجس من قدرة أو حيادية مجلس يحسم مرسوما بقانون يتصل مصير وجوده به، وهذه اشكالية موجودة أيضا عندما يضع البرلمان دوائر أو نظاماً انتخابياً لأعضائه مصلحة مباشرة فيه وهو سبب منع بعض الدول ذلك، واسناد التغيير لمفوضية عليا للانتخابات أو ما شابه ذلك. وثانيهما، ان المحكمة الدستورية في الكويت لم تر ما يمنع من ذلك في حكمها في عام 2008.

ـ ان الموقف السياسي، رفضا أو تأييدا لمرسوم الضرورة، حق طبيعي لكل مواطن، والاعتراض بوسائل التعبير السلمية بما فيها التجمعات المباحة والمسيرات الممكنة قانونا بالترخيص، لا يعتبر خروجا على ولي الأمر، كما ان اصداره لها لا يعتبر تفردا اذ انه بحكم المادة 71 من الدستور لا مجال لصدورها الا من السلطة التنفيذية منفردة.

ـ ان استخدام مظاهر الخيار الأمني والمنع أو القمع للرأي المعارض بتجمعاته السلمية، دليل فقدان الحكومة لخطاب الإقناع السياسي والقانوني، تماماً مثل المعارضة التي تستخدم لغة التخوين والشحن ومنطق التصعيد والتهديد والتي تفتقد الحجة ولا تملك خطاب الاقناع القانوني والسياسي أيضاً.

ـ وتلوح بالأفق بوادر العودة الى منطق الحكمة وفتح الحوار للخروج من أزمة البلد السياسية لا القانونية، وهو ما يعني أن التوافق السياسي لا القانوني الذي أخرج الكويت من أزمة مراسيم 1981 ووضع ما بعد التحرير عام 1991 وأزمة الحكم عام 2006، هو ما يسعف في اخراج البلد من هذه الدوامة عاجلا أو آجلا، وليعلم الجميع أنه لا صحة ولا قيمة ولا حجية لأي سوابق أو ممارسات فاقدة للأساس الدستوري، مع أهمية شرعيتها السياسية المؤقتة.

وأمام اغفال كلا الطرفين لتلك الاعتبارات نجد أن الخطاب المقنع غائب لديهما. فهلاّ رأينا توجها لذلك؟

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.