
أجمع عدد من الاقتصاديين على ان دستور الكويت ارسى القواعد العامة والخطوط الرئيسية لقيام الدولة الاقتصادية الكويتية.
وقال هؤلاء في لقاءات متفرقة مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم بمناسبة احتفال البلاد بالذكرى ال(50) للمصادقة على الدستور ان مواد الدستور الكويتي ذات الشأن الاقتصادي ساهمت ولا تزال تساهم ببناء الدولة المدنية الحديثة ورسم الخطوط الاقتصادية لها.
واضافوا ان هذه المواد “منارة” تسترشد بها الكويت حكومة وشعبا لترسيخ المقومات الأساسية لكيان الدولة الاجتماعي والثروة الوطنية بما يساعد على تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الانتاج ورفع مستوى المعيشة.
وقال عضو هيئة التدريس في قسم الاقتصاد بجامعة الكويت الدكتور نايف الشمري ل(كونا) ان دستور دولة الكويت يعد نتاجا لتجارب دستورية سابقة مرت بها البلاد كما يعتبر دستورها الأقدم في منطقة الخليج العربي.
واضاف الشمري ان أبواب الدستور الخمسة تضم 183 مادة وتتركز القضايا الاقتصادية في الباب الثاني المتعلق بالمقومات الأساسية للمجتمع الكويتي مبينا أهمية الدستور في دعم الاقتصاد علاوة على دعمه لمقومات الدولة الحديثة الاخرى.
واوضح ان دولة الكويت منذ التصديق على الدستور الحالي عام 1962 الى يومنا هذا “حققت نقلة نوعية على طريق النمو والتقدم والتطور والرفاه” مشيرا الى حجم الاقتصاد الكويتي الذي نما بنسبة كبيرة جدا منذ ذلك الوقت الى الآن.
وذكر ان من المؤشرات الدالة على النمو الاقتصادي في دولة الكويت ما بعد الدستور تحقيق الناتج المحلي الاجمالي للكويت ارتفاعا من 8ر1 مليار دولار امريكي عام 1962 الى ما يقارب 176 مليار دولار عام 2011.
وافاد بأنه خلال الخمسين عاما الماضية ارتفع مستوى رفاهية الفرد الكويتي وتطورت سبل العيش والحياة في الكويت حيث ارتفع مستوى دخل الفرد من نحو 5425 دولارا أمريكيا في عام 1962 الى حوالي 62664 دولارا أمريكيا عام 2011.
وبالنسبة للقدرة التنافسية للسلع الكويتية المتمثلة بشكل أساسي في النفط قال الدكتور الشمري “ان الصادرات الكويتية للعالم الخارجي حققت نموا يعكس الزيادة والازدهار والتطور الكبير في حجم الأنشطة الاقتصادية بالسوق المحلية حيث سجلت اجمالي الصادرات الكويتية من السلع والخدمات ما قيمته 118 مليون دولار امريكي في عام 1962 في حين سجلت تلك الصادرات ما قيمته 117 مليار دولار في عام 2011”.
واوضح ان هذه النهضة في الصادرات انعكست بدورها على زيادة الايرادات وارتفاع مقتنيات الدولة من احتياطي النقد الأجنبي والذهب حيث ارتفعت المقتنيات من 97 مليون دولار امريكي عام 1962 الى ما يقدر ب 9ر2 مليار دولار في عام 2011.
ولفت الى ان حجم الاستثمار في الكويت شهد “قفزة هائلة” منذ التصديق على الدستور بحيث ارتفع حجم اجمالي الاستثمار من 238 مليون دولار امريكي في عام 1962 الى ما قيمته 31 مليار دولار امريكي في عام 2011 الامر الذي يعكس الجهود المبذولة من قبل الحكومات الكويتية المتعاقبة لتشجيع الاستثمار المحلي سواء عن طريق القطاع العام أو تعزيز دور القطاع الخاص.
وعما يميز الدستور الكويتي من حيث النظام الاقتصادي المتبع في الدولة افاد بأن دستور الكويت جاء فيه ما يعكس النظم الاقتصادية الأكثر وسطية حيث أرسى قواعد بين النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي “فيعتمد على حرية الملكية الفردية كأساس لنظام الكويت الاقتصادي”.
واشار الى ان الدستور جاء ليؤكد ضرورة انطلاق الاقتصاد الكويتي باتجاه النمو والدفع نحو انتعاش القطاع الخاص حيث جاءت الاحكام الخاصة بالدستور على التوافق والتعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص في الدولة واقامة الاقتصاد الوطني على أساس من العدالة الاجتماعية.
ورأى ان الاحتفال بالذكرى الخمسين للدستور تأتي في وقت دخلت البلاد مرحلة اقتصادية جديدة من خلال الخطة التنموية التي أقرتها السلطتان التنفيذية والتشريعية وهي أول خطة تنموية في البلاد منذ عام 1986 كما تعتبر من الخطط التنموية الطموحة حيث تتماشى مع رغبة سمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح في جعل دولة الكويت مركزا ماليا وتجاريا عام 2035 يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي.
وذكر ان هذه الذكرى تتزامن مع الحضور الفعلي للكويت على الساحة العالمية خصوصا من الجانب الاقتصادي لافتا الى ان الكويت تحتل حاليا المرتبة الثالثة خليجيا والرابعة عربيا وتعد من مجموعة الدول الخمسين “الاكثر نموا بالعالم اقتصاديا” بنحو 7ر5 في المئة متجاوزة بذلك متوسط النمو الاقتصادي لدول العالم مجتمعة والمقدرة بنسبة 7ر3 طبقا لبيانات عام 2011.
من جانبه قال استاذ الاقتصاد المالي في جامعة الكويت ومؤسس ومدير مركز المعاملات المالية في كلية العلوم الادارية الدكتور عبدالله السلمان ل(كونا) ان دولة الكويت مرت بمرحلتين اقتصاديتين هما المرحلة التي سبقت ظهور النفط ومرحلة ما بعد ظهور النفط مبينا ان المرحلة الاولى كانت الدولة فيها “حارسة” أي أنها لا تتدخل في العمليات الانتاجية بحيث اقتصر دورها فقط على توفير الأمن والأمان وتحقيق العدالة الاجتماعية.
واضاف الدكتور السلمان انه مع ظهور النفط (الثروة الطبيعية الرئيسية في البلاد) في الأربعينيات وتطور الدولة المدنية في الستينيات من القرن الماضي أصبحت الدولة بفضل دستورها وسياساتها الاقتصادية دولة “منتجة”.
وذكر معلقا على المادة رقم 21 (الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك الدولة تقوم على حفظها وحسن استغلالها بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني) انها ساهمت بتحويل الدولة من دولة “حارسة” الى دولة “منتجة” وهو ما يتطلبه الامر في بادئه عند نشأة الدولة ذات الصناعة النفطية.
واضاف “ان الدولة بدأت تدخل في العمليات المرادفة لعمليات انتاج النفط ومع مرور الوقت بدأت ايضا تزاحم القطاع الخاص في عمليات انتاج النفط”.
وأوضح ان مرحلة ما قبل النفط لم تتدخل الدولة في عمليات الانتاج السائدة في ذلك الوقت بل اكتفت بوضع الضرائب على عمليات التجارة ونقل المواد واعادة التصدير بين الشرق والغرب مشيرا الى ان عمليات التجارة آنذاك كانت “مربحة بالنسبة للدولة لو انها تدخلت فيها ومارستها”.
ودعا الدولة الى اعطاء الفرصة لنمو قطاع خاص واعد وقوي ومنافس في المنطقة يعطي الدولة مصادر متنوعة للدخل.
ورأى الدكتور السلمان انه على الدولة ان تحاول ان تقلل من هيمنتها على العمليات المصاحبة للثروة الطبيعية وتحتفظ فيها كما نص الدستور “كمالكة” لها على أن تترك عمليات الانتاج والتوزيع والتنقية للنفط تتحول بشكل تدريجي من القطاع العام الى القطاع الخاص.
واشار الى ان “الدولة اذا رغبت في تقليل سيطرتها على هذ القطاع فعليها اللجوء الى التخصيص الجزئي له عن طريق اعطاء اسهم امتياز للمواطنين وترك الجزء الآخر للقطاع الخاص للاستثمار فيه”.
وأكد ان مشاركة القطاع الخاص في العمليات الانتاجية ستقلل العبء المالي على الدولة وتجعلها بعيدة عما يسمى اقتصاديا ب “لعنة الثروات الطبيعية” او “لعنة النفط”.
واضاف ان من شأن مشاركة القطاع الخاص في قطاع النفط “تشجيع القطاعات الخدمية المكملة للقطاع النفطي كالقطاع التعليمي النفطي وتكنولوجيا النفط والابتكارات النفطية وغيرها”.
واوضح ان دخول القطاع الخاص في هذ القطاع الحيوي في البلاد من شأنه أيضا رفع مستوى قاعدة الانتاج في الكويت ما يعود بالأثر الايجابي على تنويع مصادر الدخل للكويت مبينا ان الخصخصة الجزئية للقطاع النفطي ستجعل الدولة تبيع السلعة النفطية وتفرض ضريبة القيمة المضافة او الارباح على الشركات المنتجة وبالتالي “تكون لها موارد مالية أكثر”.
ودعا الى تأسيس مجلس اقتصادي استشاري من المتخصصين الاقتصاديين الكويتيين ليساعد السلطة التنفيذية في المرحلة المقبلة ويهيئ الارضية المشتركة مع اعضاء السلطة التشريعية في وضع السياسات الاقتصادية الحديثة للبلاد.
من جهته قال الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور ان الدستور الكويتي أرسى وزاوج بين ثلاثة مرتكزات رئيسية هي “التنمية والديمقراطية والحرية” مبينا ان الهدف الرئيسي للدستور هو “سلامة الممارسة الديموقراطية من خلال تطبيق المعادلة الصحيحة التي تجمع تلك المرتكزات في قالب واحد”.
واضاف بوخضور ان “الدستور حفظ حقوق المواطن ووضع البرنامج الذي يربط بين قيمتي الديموقراطية والحرية بقيمتي العدالة والتنمية” موضحا انه بقدر سلامة الممارسة الديمقراطية تكون كفاءة وفاعلية هذا البرنامج.
واشار الى ان الكويت انطلقت بنهضة لم يسبق لها مثيل في الخليج العربي من خلال نظام ديمقراطي متكامل فتح لها آفاق التنمية على مصراعيها ما جعل الشعب الكويتي “مرفها” اقتصاديا واجتماعيا.
واكد دور الدستور في ارساء قواعد متينة للاقتصاد الكويتي بحيث كانت له تجارب ناجحة في مشاريع تنموية عدة.
وذكر ان الدستور أدى الى رفاهية الشعب وساهم ببلوغ الكويت أفضل المؤشرات وتحقيقها أعلى المستويات في جميع المجالات لاسيما الاقتصادية منها.
قم بكتابة اول تعليق