قال النائب السابق عادل الصرعاوي أن الكويت وتاريخها السياسي وتجربتها الديمقراطية بمفترق طرق داعيا الجميع إلى تحمل مسؤولياته بالمحافظة على هذا الإرث السياسي والديمقراطي، فالكويت بحاجة إلى فزعة وكلنا لها.
وعدد الصرعاوي في مقال له بصحيفة القبس اليوم بمناسبة الذكرى الخمسين للدستور تحت عنوان «الدستور وحُماته» أبرز التحديات التي تواجه الكويت.
وفي ما يلي نص المقال:
قال الحق تبارك وتعالى: «ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون» (البقرة).
تحل علينا الذكرى السنوية لصدور الدستور (2012/11/11) واعتدنا بهذه المناسبة أن نستذكر بكل تقدير أولئك الرجال الذين ساهموا بكل اعتزاز بوضع الدستور، تلك الوثيقة التي يعتز بها كل الكويتيين الشرفاء لما تمثله من صمام أمان لوحدة واستقرار الكويت والكويتيين، صمام أمان لمواجهة الكثير من التحديات كتلك التي واجهناها بالماضي، مثل الغزو الصدامي ونقل السلطة وفق قانون توارث الامارة وأي تحديات للمستقبل لما يسمى بالربيع العربي وغيرها.
كما نستذكر بالقدر نفسه من الاعتزاز الدور التاريخي لأبي الدستور أمير الكويت الأسبق المغفور له بإذن الله الشيخ عبدالله السالم، كما كنا دائما ما نحذر في مثل هذه الذكرى من محاولات العبث بالدستور من خلال اعداء الديمقراطية والدستور وهم كثر، سواء من هم بالصفوف الأمامية بالسلطة أو خارجها من فساد ومتنفذين ومجاميع اخرى متمصلحين من ورائهم، حيث لم يدخروا وسعا باستغلال أي فرصة سانحة لهم للنيل من الدستور وتجربتنا الديموقراطية، مؤكدين على التصدي لهم ولمحاولاتهم المتكررة للتنقيح والتعديل للدستور بهدف تقويض الدور الرقابي والتشريعي للمجلس والنيل من أدواته الدستورية وتفريغها من محتواها بحجة ترشيد الممارسة الديموقراطية.
أكدنا ونؤكد بأن سوء الممارسة الديمقراطية والعبث بالأدوات الدستورية وتطويعها للمصالح الشخصية والانية الضيقة يجب ألا نسقطها على الدستور ومواده التي اعتقد وبكل جزم أنها كفيلة بعد الله لتنقلنا الى الممارسة الديمقراطية الرشيدة لسنوات طويلة من خلال فهم واستيعاب مواد الدستور ومفاهيمه الحق التي بنى عليها اؤلئك الافذاذ الدستور والتي تنم عن فهم عميق وبصيرة لطبيعة الديموقراطية والممارسة البرلمانية المنشودة.
مستجدات دخيلة
إلا انه تمر علينا اليوم الذكرى السنوية لصدور الدستور (2012/11/11) بظروف غريبة وبمستجدات دخيلة مصحوبة بممارسة فجة لم يشهدها تاريخنا السياسي، أنها تحديات حقيقية تهدد مسيرتنا الديموقراطية وممارستنا البرلمانية، تحديات اجزم انها اكبر خطورة واكثر ضراوة ممن نعتبرهم أعداء للديمقراطية ولنجاحها واستمراريتها لانهم واضحو المآرب ومواجهتهم مستحقة، وهو ما تم بالفعل من تصد لهم على مرور الزمن، مؤكدين على أننا سنحمي الدستور كما حمانا، وسنحافظ عليه كما حافظ على وحدتنا الوطنية، وسنصونه كما صان كرامتنا وكياننا، ولن نتخلى عنه مثلما لم يتخل عنا، وسنكون لك سندا كما كنت لنا سندا في الأزمات.
التحدي
اما التحدي اليوم الذي يواجهه الدستور ومسيرتنا الديمقراطية فهو تحد من نوع آخر هو:
تحد ممن كنا نعتقد بأنهم حماة الدستور والمدافعون عنه.
التحدي أن تأتي الإساءة إلى الدستور ممن يدعي المحافظ عليه وهو بحق اشد واخطر التحديات التي يواجهها الدستور في وقتنا هذا. التحدي اليوم ان هناك من يعتقد بأن الديمقراطية تمر من خلاله. التحدي اليوم بأن هناك من يختزل الدستور في شخصه.
التحدي اليوم هو التطاول على الدستور بحجة المحافظة عليه.
التحدي اليوم يتمثل في من يخل بمبدأ فصل السلطات بالتطاول على القضاء واعتبار احكام المحكمة الدستورية منعدمة وباطلة وكائن لم تكن، أليس التدخل في القضاء تطاولا على الدستور وتحديا له؟!
التحدي هو انتهاج التطاول على القيادة السياسية والاساءة اليها كوسيلة للحفاظ على الدستور، وهو الامر الذي يستنكره الجميع.
التحدي عندما يتخذ البعض الدستور برنامجا انتخابيا ويتحدث ويطالب بالامارة الدستورية والتي هي اصلا متحققة بدستورنا الحالي.
التحدي اليوم هو من يطوع الدستور ومواده لمواقفه ومصالحه لا ان يطوع مواقفه وفق الدستور، والفرق بينهما كبير وشاسع.
وقفة تأمل
انها تحديات تحتاج الى وقفة تأمل، وتأمل عميق للبحث في اسبابها ومن يقف وراءها وما هي اسقاطاتها على مسارين الاول تاريخنا السياسي والاخير تأثيرها على قيم ومفاهيم الجيل الحالي جيل المستقبل لمفاهيم الدستور ومبادئه، وهل بعد مرور خمسين سنة من صدور الدستور والذي يصادف الذكرى السنوية لصدوره الشهر المقبل، هل هناك ترسيخ لمفاهيم الدستور لدى الجيل الحالي وفهم لمضامينه، وما هو عليه الوضع المتوقع لجيل المستقبل؟ كل ذلك في ظل ممارسات قد يفهمها البعض انها من الدستور وفي صلب مواده ومفاهيمه وهي ابعد ما تكون عنه.
ماذا نعتقد من فهم لدى البعض عندما تكون الوثيقة (يقصد هنا بها الدستور) محل تجاذبات واجندات سياسية ضيقة، لم تكن الوثيقة بيوم من الايام محل رهان واختبار من قبل الشعب لانها بالنهاية اختبار ورهان خاسر لا يقبل الشعب الكويتي به.
ان الحديث عن انفراط للوثيقة هو حديث خارج الدستور يتساوى مع من طالب بالعمل خارج الدستور من واقع المطالبة بالحل غير الدستوري لمجلس الأمة ولكلاهما كان هناك جهود لتجريم المناداة والحديث عن أي عمل خارج الدستور (الاقتراح بقانون بتجريم المطالبة بالحل غير الدستوري)
صراع العلن
وعلى صعيد مختلف، هناك تحديات من نوع آخر، تحديات ممن حفظهم الدستور وحماهم الا وهو تحدي الصراع الدائر بين بعض أبناء الأسرة الذي أصبح بالعلن بعد ان كان بالسر، لقد أصبح الامر واضحا وملموسا من قبل الجميع وعلى كل الأصعدة، حيث تولدت قناعة لدى البعض انه أينما كان هناك حراك سياسي فاسأل عن من وراءه من أبناء الأسرة أو من يحركه منهم الى ان وصل الحال الى الخصومة المباشرة بين بعض أبناء الأسرة بالصحافة ووسائل الإعلام المختلفة، كل ذلك كان نتيجة طبيعية لتسويات بعض أبناء الأسرة وما نتج عنها من تطاول على القانون وتعد عليه كان له أكبر الاثر في خلق شعور من التذمر لدى العموم وخلق جو من تشجيع التطاول والتعدي على القانون وعدم احترامه، الأمر الذي انعكس على الدستور ومبادئه، في حين ان الدستور ووفق المادة 4 حفظ للأسرة كيانها كأسرة حكم يستند بالدرجة الأولى الى توافق بين الجميمع.
استقرار الكويت
انه حق تحدي كبير للدستور كونه يأتي ممن حماهم الدستور ويوجب على حكماء الأسرة التصدي له وعدم ترك المجال للآخرين للتدخل في حله وحسمه، لأن بكل تأكيد استقرار الأسرة هو استقرار للكويت والكويتيين.
ان ما تشهده الكويت من حراك سياسي ان كان يشوبه الكثير من السلبية فإنه أيضاً يتمثل بوضوح وظهور بعض الممارسات المستحقة على الجميع التصدي لها لما تمثله من تحد للكويت وبالتالي لنا جميعاً، فكما قال أحد الحكماء فالشدائد تكشف كوامن الأخلاق، وتسفر عن حقائق النفوس، والرجال لا تعرف إلا عند المواقف والفتن والأزمات.
ومصداقاً لقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف رجاله».
«اللهم نجنا شر من يدعي حماية الدستور، اما اعداء الدستور فإن الشعب الكويتي كفيل بهم».
وختم بالآية الكريمة:
«واذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11) ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12) وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالو أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون(13) (البقرة: 11 – 13).
قم بكتابة اول تعليق