
الاحتفال بيوم الدستور، لا ادري من هو صاحب فكرة الاحتفال ومغزى الاحتفال، غير اني ارى كأي مواطن يتمنى الخير والامان والرقي لهذا الوطن المعطاء ان يكون لنا كل يوم مناسبة واحتفال، فالكويت في ظرف احوج ما تكون فيه الى ابتداع المناسبات وجريان الاحتفالات، فنحن نعاني كشعب ومجتمع الجفاف، وطرد الفرح، وكأن الفرح منكر من المنكرات، هذه الحياة الجافة خلقت ايضا جفافا في المزاج وغلظة في الطبع وعدم احتمال الآخر، هذا الشيء لا يحدث بين الناس العاديين في الشارع أو السوق، انما نرى هذا حتى في البيت في الاسرة الواحدة من أب وأم وابناء واخوة واعمام واخوال وخالات، قطعا ثمة اسباب اخرى لنشوء غلظة الطبع، لكن حتما ان جفاف الحياة يخلق جفافاً في الاطباع، لذلك شيء جيد ان نتذكر ان هناك خمسين عاما قد مرت على اصدار الدستور، والمناسبة جديرة بالتذكر والاحتفال لعل في المناسبة الاحتفالية فرصة لتفتح الاذهان وقدح الافكار، فالحياة الانسانية ليست جامدة، ولا ترجع للوراء، وانما الحياة مثل القطار السريع يتقدم الى الامام، ولأننا كشعب ومجتمع محبون الحياة والحيوية فمن واجبنا ان نكون ركاّباً في ذلك القطار السريع لا خارجه، فالواقفون على الرصيف بلدا وكسالى، لا يقدرون قيمة الوقت ولا معنى ان يفوتهم الوقت، فمن وصف الوقت كالسيف لا ريب قد خرج بتلك الحكمة عن خلاصة تجربة، فنحن وقوفا منذ اربعين عاما على الرصيف، وفوتنا على انفسنا فرصة ركوب قطار الزمن والالتحام براكبي القطار، قطار الزمن السريع، لقد فوتنا على انفسنا الكثير الكثير من الوقت، وتاليا فوتنا على انفسنا تحقيق الذات، حتى بتنا كالخرقة البالية، أو كالثوب الدارس الذي لم يعد يتناسب مع الوقت.
لنعترف اننا متخلفون عن الركب، وان القطار لا يقف أو ينتظر الكسالى ورتيبي الخطى، فالقطار خصص للنشطاء والحاذقين والطامحين، فهل لدينا بعد اربعين سنة من الاحباط والكسل والرتابة والبلادة ان نجدد في شرايينا الدماء ونطرد عن انفسنا الكسل والبلادة ونلحق ركوبا بذلك القطار السريع..؟!!
من المؤكد ان ذلك ليس مستحيلا اذا احطنا بمكامن الخلل وداء العجز.
ان احتفالنا بالدستور لا ينبغي ان يكون مجرد احتفالية من اجل الابتهاج واظهار الزينة وحسب، فهذه الجزئية البانورامية من الاحتفالية، ولكن المناسبة جديرة بوقفة تأمل ومراجعة لمرحلة انصرمت ومرحلة خطيرة مقبلة.
خمسون عاما في زمن الشعوب ليست كثيرة لكنها كثيرة عندما نرى انفسنا قد مضى بنا الزمن دون تحقيق شيء جدير بالفخر، هنا التحدي، وهنا المحك..!!
لعلي اتصور ان الكويت تعيش الآن مرحلة الدولة الدستورية الثانية، هذه المرحلة التي دشنها صاحب السمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح – حفظه الله ورعاه – في اصدار بعض المراسيم وفي لقاءاته واجتماعاته الى القطاعات الوطنية المختلفة بدءاً من بيت الحكم وانتهاء بالقطاعات العمالية والمهنية، ولعل القادم هو ما ينبغي ان يكون دافعا للعمل وتجديدا للدماء، فالكويت في مرحلة عبور ومرحلة تجديد للبناء وللدماء وفرصة للتفكير المعمق للمستقبل.
نحن في مرحلة علينا ان نصحح الكثير من الاخطاء التي تراكمت، اخطاء الحكم واخطاء الادارة الحكومية واخطاء المؤسسة التشريعية.. تصحيح الاخطاء يحتاج ايضا إلى مراجعة للنصوص الدستورية، فعلاوة على ان دستورنا جامد لا يساعد على تصحيح الاخطاء.. دستورنا بعد خمسين عاما من التطبيق حان الوقت للنظر بنصوصه، ومراجعة تلك النصوص واخضاعها للتنقيح والتعديل أو التبديل، بل لعلي لا اغالي اذا قلت نحتاج الى دستور بديل يواكب العصر ويصحح الاخطاء وينتشل البلاد من كبوتها وينقلنا الى عصر جديد.
ان احتفالنا بالدستور فرصة جيدة ومشجعة لاحتفاليات ومهرجانات بمناسبات وطنية ومناسبات ابتهاجية وعلينا ان نبتدع المناسبات لا ان ننتظر قدومها، فدماؤنا قد تخثرت وامزجتنا قد تغلظت وعلى الرغم من ان غالبية الشعب من الشباب لكن علائم الشيخوخة والتجهم هي الغالبة على وجوه الشباب..!!
باحتفالية خمسينية الدستور نحتاج احتفالية لتجديد الدماء وكويت المستقبل.
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق