أجمع أكاديميون كويتيون على “ظاهرة سلبية” تشهدها الساحة السياسية في البلاد تتمثل في ارتفاع حدة الخطاب السياسي لدى البعض من المرشحين الى انتخابات مجلس الامة والذين يلجأون الى استخدام نبرة عالية ومتشجنة بغية استقطاب الشارع بشكل لم يعهده الناخبون على مدى الحياة السياسية في الكويت.
واتفق الاكاديميون المتخصصون في مجالات العلوم السياسية والاجتماعية والاعلام والنفس في لقاءات متفرقة مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم على ان هذه النبرة العالية والمتشجنة والتي ربما غايتها دغدغة بعض المشاعر والعواطف أفضت في كثير من الحالات الى نتيجة هي خلاف ما يريده هؤلاء المرشحون من الناخبين والذين بدورهم أصبحت لديهم ردة فعل عكسية حيال هذا الخطاب المتشنج وعالي النبرة.
ورأوا ان ردة الفعل العكسية وصلت الى حد اثباط همم وعزيمة كثير من الناخبين في ممارسة حقهم الانتخابي بينما المطلوب ترك الناخب يمارس هذا الحق والواجب بكل حرية وعن قناعة تامة وتفكير عميق دون أي شكل من أشكال التأثر بارتفاع حدة الخطاب السياسي او النبرة العالية.
وقال أستاذ العلوم السياسية في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت الدكتور عبدالله الغانم ان المرشح يتعين عليه ان يدرك ان الخطاب السياسي أو الشعارات السياسية المتشنجة إن حققت له هدفا مصلحيا او شخصيا فإن ذلك في المحصلة لا يخدم مصلحة البلاد فضلا عن أن الناخبين الذين يتبعون المرشح الذي يطلق شعارات متشنجة عليهم أن يعلموا ان هذه الشعارات اوالخطابات هي مجرد دغدغة لمشاعرهم ليس أكثر.
وأضاف الدكتور الغانم ان الناخب يجب أن يتعمق أكثر في عملية اختياره للمرشح “خصوصا مع خوض التجربة الانتخابية الجديدة أي الصوت الواحد فبالتالي عملية احكام التصويت من خلال البحث المتعمق والاختيار الافضل بالنسبة له وذلك ما يمكن أن يحصن البلاد ووحدتها الوطنية مع التمني بالابتعاد عن العاطفة أو الميول المرتبطة بمفاهيم من هذا القبيل بل الالتزام بالمبادئ العقلانية في اختيار المرشحين”.
وعن رؤيته لاسباب لجوء بعض المرشحين الى الحدة في خطاباتهم رأى أن المرشح “عادة ما يقوم بالبحث عن الاضواء للفت انتباه الجمهور لذلك فإن قضية الشعارات الموجودة اليوم ليست طارئة وانما وجدنا في التجربتين الانتخابيتين السابقتين كثيرا من المرشحين ممن طرحوا خطابا متشنجا وعالي النبرة تجاوز هؤلاء الحدود فيه”.
واستطرد قائلا ان هذه الخطابات اثناء الندوات الانتخابية “تحولت اليوم الى شعارات وهو أمر طبيعي ضمن مفهوم التدرج من الخطاب العنيف الى الشعارات بمعنى اذا لم يتم وضع حد لهذا الخطابات العنيفة فإنها ستتحول من خطابات الى شعارات”.
وعن ماهية الشعار أفاد بأن له ثلاثة أهداف “هي كما أشرت آنفا اثارة الجمهور وجذب الاضواء الى صاحب الخطاب والثاني عملية تقليدية في التطور الخطابي من التشنج وربما حالة من التحدي والثالث ان هذه الشعارات أصبحت تعكس واقعا سياسيا نعيشه اليوم في الحياة السياسية ويبرز من خلال الحراك السياسي المتشنج وقد يصل الخلاف على نقطة تأييد المشاركة أو عدم ذلك”.
وبين أن الحراك السياسي المتشنج سينتج شعارات سياسية متشنجة “لكن بالمقابل هذه الشعارات ايضا لو تمعنا فيها نوعا ما فسنجد انها تنطلق من كتابات موجودة ويتم تداولها في بعض وسائل الاعلام وان بشكل خفي وأصبحت اليوم ظاهرة للعيان لكن يبقى في النهاية الهدف هو التكسب الانتخابي فمن يتبنى موقفا متشنجا فسيتبعه المتشنجون”.
من جانبه قال أستاذ الاعلام في كلية الاداب بجامعة الكويت الدكتور يوسف الفيلكاوي ان هناك شعارات يستخدمها بعض المرشحين “تبين وكأننا بتنا على حافة الهاوية وانه المنقذ الوحيد وللأسف أصبحت لدينا ظاهرة خاطئة شهدتها الساحة السياسية الكويتية مؤخرا مفادها ان الصوت العالي والخروج عن المألوف والتهديد والوعيد هو المطلوب والمرغوب وكأن من يقوم بذلك وحده من يحمي الدستور والبلاد ومحقق الحرية والعدالة”.
ورأى الدكتور الفيلكاوي المطلوب من هؤلاء البعض “ان نعرف خططهم وبرامجهم لكن للاسف الى الان لم نر أي خطة وأي هدف يذكر لكثير منهم ولا أي برنامج انتخابي وكل ما يساق من اتهامات وتصريحات وشعارات ليست صحيحة او دقيقة”.
وأضاف ان هناك بالمقابل وعيا سياسيا لدى نسبة عالية من الجمهور من أن هذه الشعارات والتصريحات ذات النبرة العالية والحادة “ليست الا دغدغة للعواطف وبعض الغرائز والتي لن تؤثر بالطبع على المثقفين سياسيا واعلاميا اذ على المرشح ان يختار شعارات افضل من هذه العبارات وخططا اخرى وبرامج واقعية بعيدة عن الهتافات والشعارات الزائفة”.
من جهته قال أستاذ علم النفس في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت الدكتور خضر البارون ان الشعارات الحالية أصبحت تتلاءم مع الجو العام السياسي السائد في البلاد حاليا وتأتي انسجاما مع ما يحدث حاليا من تنافس قد يكون شريفا أوغير شريف في الحصول على مقعد في مجلس الأمة المقبل.
وأضاف الدكتور البارون ان هناك مرشحين يريدون تحقيق أعلى عدد ممكن من الناخبين فيصعدون في خطاباتهم أكثر من اللازم ويجعلون الامور أضخم مما هي على أرض الواقع ويطلقون عناوين وشعارات عالية وكبيرة جدا لكسب الناخبين.
واستشهد في ذلك مثلا “بكلمات وجمل وشعارات استخدمت من بعض المرشحين تظهرنا وكأننا في خطر وويلات قادمة واننا نعيش في خطر داهم ونعيش في سجن وانعدام للديمقراطية وتسلط وما شابه وهو كلام غير صحيح ولا يتطابق مع الواقع وهم يفعلون كل ذلك من اجل جذب الناخبين فقط”.
وانتقد ظاهرة عند البعض تتمثل “بالعدائية والتشاؤم بل بدؤوا يعتقدون ان ما يجتذب الناخب فقط القوة والصوت العالي واننا لا نستطيع أخذ حقنا الا بهذه الطريقة فالذي يصرخ ويغضب ويتعدى الحدود وان اخطأ فسيحقق أعلى تصويت من قبل الناخبين بل أصبح بعضهم يتنافسون في هذا المنحى”.
وذكر ان هناك كثيرا من الناخبين “بالفعل أصبحوا خائفين من الوضع القائم والمستقبل القادم ويتعرضون الى بعض تلك الخطابات المتشنجة من مرشحين لاهم لهم الا دغدغة مشاعر الناخبين بتلك الشعارات الكبيرة والنبرة العالية المليئة بنوع من العنف والهجوم”.
وبين الدكتور البارون “ان تلك اللغة مرفوضة وعلى العاقل ألا يخاطب الجمهور بهذه الطريقة خصوصا انه مرشح ومن الممكن ان يمثل الناس يوما ما في المجلس”.
ورأى ان بعض الظواهر السلبية “كعدم تكافؤ الفرص أو وجود الفساد أو غير ذلك أفضى الى هذه الظاهرة وشجع البعض على التحدث بهذه الطريقة لذا ربما يتقبل بعض الناخبين آراء هذا المرشح أو ذاك ويرون فيه المصلح والاقوى والأكفأ في الدفاع عن مصالح الناخبين خصوصا لدى فئة الشباب وقضاياهم لكن في المحصلة يجب ألا يتقدم اي شيء على قضية الكويت أولا وأن تبقى بأمن وأمان وأن الحال يجب الا يكون الا للأفضل”.
دوره قال أستاذ علم الاجتماع في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت الدكتور محمد الحداد انه “من المهم أن تكون هناك ضوابط تحظر المرشحين من التعرض للاخرين لأننا أن تركنا العملية وفق الحراك السياسي القوي الذي نعيشه حاليا فسندخل في متاهات متعددة”.
وأضاف الدكتور الحداد ان الحراك السياسي الحالي لعب دورا أيضا في تعزيز هذا التوجه عند المرشحين “فكثير منهم يعتقد أنه النمط والتيار العام وانه لا بد له من ركوب هذه الموجة الناجحة التي تجعله يتقدم في الانتخابات ويجتذب الناخبين لذلك نجد المفردات المتطرفة والتي فيها تعد على الاخرين”.
ورأى انه “لا توجد ضوابط من شانها أن تحظر الشعارات والملصقات الخاصة بالمرشحين من التعرض للاخرين بل ونلاحظ الآن ملصقات لاكثر من مرشح يتعرض فيها للاخرين مباشرة أو غير مباشرة وذلك بسبب غياب الضوابط لهذه الاعلانات أو الملصقات التي تحمل شعارات فضفاضة وعامة وبعضها فيه تطرف ولايحتمل الموضوعية”.
ومع ذلك اعتبر انه “لا يمكن انكار ان هناك بعض الشعارات تؤثر في نفسية المواطن وان الحراك الحار والتجاوز السياسي في بعض الاحيان والعقوبات المخففة على هذه الاشكال من التطاول بدأ في اعقابها بعض المرشحين يقرأ نفسية المواطن الذي ينجذب الى الصوت العالي وهذا للاسف يدل على قلة مستوى الوعي السياسي”.
وقال الدكتور الحداد ان بعض المرشحين “وجد انه من المناسب ان يدخل في هذه المعمعة واستخدام الشعارات المتطرفة والتي يتخللها مباشرة او غير مباشرة تهجم على الاخرين لدغدغة مشاعر الناس وصولا الى انتخابه”.
وأشار الى لجوء بعض المرشحين الى الدعاية المتلفزة والتجارية “بالذات التي فيها مساحة أوسع لاستخدام هذه الشعارات لاعتقاده أن طرحه سيلقى قبولا اكثر لدى الجمهور وأن الحراك السياسي يكون من خلال تطرفه بالرأي وبالصوت العالي والنبرة الحادة”.
قم بكتابة اول تعليق