خمس رصاصات طائشة أدمت قلب البلد

قبل حل المجلس الفائت بأيام- كتبت مقالاً بعنوان “لستم سوى أداة… والأيام بيننا” انتقدت فيه الاصطفاف مع كتلة الضد آنذاك في ساحة الإرادة تحت عنوان محاربة الفساد لأنه سيعني الاصطفاف مع الباطل الذي أرادته وليس شعار الحق الذي رفعته.
ومثلما أعطى بعض المخلصين زخماً لأجندة كتلة الضد المخفية دون أن يشعروا بذلك، فإن الأمر نفسه ينطبق على بعض النواب الذين اصطفوا مع هذه الكتلة سياسياً فكانوا هم المرجحون لكفتها وبسببهم حُلّ المجلس، وأعني هنا الرصاصات الخمس التي أطلقتها كتلة العمل الوطني في المجلس السابق على الحكومة، وتبين الآن أنه كان خطأً سياسياً فادحاً نتيجة لقراءة خاطئة للساحة.
لا أقول ذلك لأن كتلة العمل الوطني كانت أكبر الخاسرين في الانتخابات، فالشعب ليس دائماً على حق، بل لأنه كان واضحاً منذ البداية أن هدف كتلة الضد من كل التأزيم السياسي الذي قامت به لم يكن الإصلاح بل حل المجلس وفرض سياسة “يا ألعب يا أخرب الملعب”، وأبرز مثال على ذلك كانت قضية الإيداعات بعدما هرب نوابها من جلسة إقرار اقتراح كتلة العمل الوطني بندب الصرعاوي وجوهر للبنك المركزي.
فبعد ذلك الموقف تبين أن هدف الكتلة لم يكن الوصول إلى الحقيقة بل المتاجرة بالقضية وإبقائها عالقة دون حل؛ حتى يزداد هيجان الشارع وصولاً إلى حل المجلس، وبدلاً من أن يلتفت أعضاء كتلة العمل الوطني إلى هذا المخطط المكشوف وينتبهوا للأهداف المخفية من ورائه رأيناهم يطلقون رصاصاتهم الخمس، محققين بذلك أهداف كتلة التأزيم، ومكافئين إياها على هروبها من جلسة إقرار لجنة التحقيق!
وبذلك حُلّ المجلس بعد أن رجحت تلك الرصاصات الكفة في الاتجاه الآخر، وقال أحدهم إن من أهداف الاتجاه للحل هو الإتيان بمجلس أفضل، لكن فات عليه وعلى بقية أعضاء العمل الوطني أنه ليس من المصلحة العامة إجراء الانتخابات في تلك الأجواء.
فحل المجلس بهذه الطريقة خاصة بعد اقتحامه خلق انقساما حادا في الشارع السياسي، فمن جانب ازدادت شعبية رموز كتلة التأزيم ونهجهم الغوغائي، وفي الجانب الآخر تولدت ردة فعل مضادة لهذا النهج رأيناه جلياً في نجاح النائبين الجويهل والفضل، خصوصاً بعدما بانت التبعات السيئة لترجيح نواب “الوطني” لكفة كتلة التأزيم، وأبرزها سيادة الفوضى والتحريض على كسر هيبة القانون عبر حرق مقر الجويهل واقتحام قناة “الوطن”. وساهم في هذا الانقسام الاحتقان الطائفي الناتج عن صراعات إقليمية، خصوصاً في ظل زمن الثورات العربية، فكانت النتيجة انتخاب مجلس أسوأ من المجلس السابق. وضاع في حالة الانقسام هذه من كانوا يحاولون مسك العصا من المنتصف، وأبرزهم نواب كتلة العمل الوطني.
ومنذ ذلك اليوم بدأنا نلمس آثار الباطل الذي أرادوه، فبعد نجاحهم في إسقاط الرئيس بهذه الطريقة بدؤوا بابتزاز رئيس الوزراء الجديد، ومثال ذلك ما قاله أحد المرشحين: “إن لم تخضع يا رئيس الوزراء لمطالبنا راح نشيلك مثل شلنا ولد عمك”. ولم يكتفوا بابتزاز السلطة التنفيذية بل انتقلوا الآن إلى السلطة القضائية عبر محاولة فرض الأمر الواقع بالاعتصامات التي حشد لها ما يسمى بالمجاميع الشبابية الواعية والحامية للدستور! كما بان بعض أجندتهم الخفية، ففي الانتخابات وضعوا الذمة المالية و”البدون” والوحدة الوطنية ومخاصمة القضاء وغيرها كأولويات، ولما نجحوا وشكلوا أغلبية المجلس لم تأتِ أولوياتهم السبع بأي من هذه المواضيع، بل صارت أولوياتهم المادة الثانية ومحاولة تكرار أخطاء الماضي عبر محاولة إقحام الكويت في صراعات إقليمية خلفها دول كبرى، مع أننا دفعنا سابقاً ثمناً باهظاً لمثل هذه الاصطفافات عند الغزو الصدامي. وحتى قضية “الإيداعات” التي تاجروا فيها، وجدناهم يقترحون لجنة تحقيق من جديد بعدما هربوا من التصويت على لجنة التحقيق في المجلس السابق، وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل “ما عدا مما بدا؟”.
ختاما، لست فرحاً بما جرى لأصحاب الرصاصات الخمس لأن وجودهم في المجلس أفضل من وجود غيرهم، لكن في السياسة لا يوجد مكان لـ”يمّه ارحميني”، فكل خطوة لها تبعاتها و”غلطة الشاطر بألف”، وكتلة العمل الوطني دفعت ثمن انخداعها بشعارات براقة واتباعها منطق “انظر إلى ما قيل وليس من قال”، بينما يجب على السياسي النظر إلى ما وراء الشعارات عند اتخاذ أي موقف سياسي حتى لا يقف مع أجندة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب مثلما رأينا.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.